اتفاق السويد المنهار.. عندما كان الحبر أغلى من الكلمات

الخميس 25 إبريل 2019 20:16:45
testus -US
عندما جلس الطرفان على طاولة واحدة، زفَّ الجميع البشرى، استبشر الناس خيراً، ملأهم الأمل، توقعوا اقتراب تلك اللحظة التي لطالما حلموا بها، لكنّ شيئاً لم يحدث، مرّت الأيام وحدث الشيء الذي لم يتمناه أحد، وتبخّر الحلم.. فقد أطلقت المليشيات النار على "الاتفاق".
منذ ديسمبر الماضي، عندما وقّعت الحكومة ومليشيا الحوثي اتفاقاً سياسياً في السويد، علقت عليه الآمال ليكون خطوة أولى على طريق الحل السياسي، لكنّ الانقلابيين ظلوا يرتكبون الخروقات التي فرَّغت الاتفاق من محتواه، حتى أصبحت كلماته لا تستحق ذلك الحبر الذي كُتبت به.
تراوغ مليشيا الحوثي في تنفيذ الاتفاق الذي ترعاه الأمم المتحدة، وقد أكّد أثبت قائد الانقلابيين عبد الملك الحوثي ذلك في تصريحاته التلفزيونية،عندما تحدّث عن استحالة تنفيذه، مُصرّاً على تفسير بنود الحديدة بالنحو الذي يحلو لهم.
وتصر مليشيا الحوثي على تفسير بنود اتفاق ستوكهولم لمصلحتها، بزعم أنّ خطة إعادة الانتشار تنص على أن تبقى موانئ الحديدة تتبع المليشيات في صنعاء إدارياً وفنياً، في إعلان شبه رسمي لرفض الاتفاق كما جاء على لسان الحوثي.
وأبرز بنود في اتفاق الحديدة تتمثل في إعادة انتشار القوات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ، وانسحاب مليشيا الحوثي من الموانئ إلى شمال طريق صنعاء، وإزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة في المدينة، وإنشاء لجنة تنسيق إعادة انتشار مشتركة ومتفق عليها برئاسة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار، وإشراف لجنة تنسيق إعادة الانتشار على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة وعملية إزالة الألغام، وإيداع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية بالمحافظة، وتأمين المدينة والموانئ يقع على عاتق قوات الأمن وفقاً للقانون اليمني وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها.
وخرقت المليشيات الحوثية كل بنود اتفاق السويد، حيث لم تلتزم بوقف إطلاق النار بدءاً من 18 ديسمبر، ولم تلتزم الاتفاق على إعادة الانتشار المتبادل خارج مدينة الحديدة، ولم يتم الانسحاب من موانئ البحر الأحمر، كما لم تلتزم بإزالة التحصينات وأي مظاهر عسكرية من المدينة.
ويرى مراقبون أنَّ التعنُّت الحوثي يُهدِّد استمرار الاتفاق الخاص بالحديدة، ويضع جهود السلام الدولية والأممية أمام امتحان صعب، ما يجعل من عودة المعارك أمراً ضرورياً واضطرارياً لإيقاف العبث الحوثي الجاري في الساحل الغربي لليمن.
وبحسب صحيفة "البيان"، فإنّه عند إبرام الاتفاق ببنوده الواضحة التي نصّت على خروج مليشيا الحوثي من الموانئ الثلاثة وأن تسلم لشرطة خفر السواحل تحت إشراف مراقبين دوليين والأمر كذلك فيما يخص مدينة الحديدة عاصمة المحافظة، إلا أنّه عند تنفيذ الاتفاق اصطدمت المليشيات بكبير المراقبين الدوليين السابق باترك كاميرت عندما طلب منهم تنفيذ بنود الاتفاق كما هي ومن دون تأويل أو تفسيرات مغلوطة، إلا أنّ المنظمة الدولية رضخت لابتزاز المليشيات وأقدمت على استبدال كبير المراقبين بالجنرال مايكل لوليسجارد.
ومنذ تسلُّم لوليسجارد مهام عمله، توضح الصحيفة أنّه حاول دفع المليشيات لتنفيذ الاتفاق على مراحل واستوعب مخاوفها، وبعد أربعة أشهر اقترح ومعه المبعوث الدولي مارتن جريفيث خطة بديلة لتنفيذ الاتفاق تبدأ بخروج المليشيات من ميناءي الصليف ورأس عيسى مسافة خمسة كيلو مترات فقط مقابل تراجع القوات الحكومية إلى ما بعد مطاحن البحر الأحمر وفتح المعابر لمرور قوافل الإغاثة من الميناء إلى كل المحافظات بسلاسة، ومع هذا واصلت المليشيات تعنُّتها وابتزاز المجتمع الدولي برعاية أممية ترفض حتى اللحظة تسمية الطرف المعرقل للاتفاق.
وفي الشهر الخامس للاتفاق، أبلغت المليشيات المبعوث الدولي موافقتها على الخطة في مرحلتها الأولى على أن يخوض الطرفان جولة جديدة من المحادثات للاتفاق على تفاصيل المرحلة الثانية وهي الأهم والتي تشمل ميناء الحديدة، ومدينة الحديدة والتحقُّق من هوية عناصر قوات خفر السواحل التي ستتسلم الموانئ وأيضاً قوات الأمن التي ستتولى حفظ الأمن في عاصمة المحافظة.
ولأنّ الخطة الجديدة المقترحة للمرحلة الأولى احتاجت أربعة أشهر من المفاوضات مع المليشيات وتعديلات كثيرة فإنَّ المرحلة الثانية وهي الأصعب لا شك ستحتاج إلى وقت أطول وربما ينتهي العام ولم يحصل المبعوث الدولي على موافقة نهائية ومرضية من المليشيات، وهذا النهج فتح شهيتها لابتزاز الحكومة والتحالف والمجتمع الدولي بعد أن حولت ملايين المدنيين في مناطق سيطرتها رهائن ومأساتهم أداة للمساومة.
وتقترح الخطة في مرحلتها الأولى، تمركًّز قوات الطرفين في مواقعها بالأسلحة الفردية والمتوسطة فقط على أن يتم إخراج الأسلحة الثقيلة إلى مسافة لا تقل عن 20 كيلو متراً من المدينة، ونشر مراقبين دوليين في خطوط التماس والمناطق التي سيتم الانسحاب منها، كما أنها أهملت موضوع السلطة المحلية المنتخبة التي ستدير المحافظة وقوات الأمن استناداً إلى وثائق العام 2014 أن تقوم المليشيات بسحب جزء من عناصرها وإبقاء الجزء الآخر تحت مسمى قوات أمن أو شرطة خفر السواحل.