الخمير اللحجي.. وجبة الأسر الدائمة وموروث شعبي يُبهر الزائرين (تحقيق مصور)

الأربعاء 1 مايو 2019 17:35:00
testus -US

توارثت الأجيال المتلاحقة في محافظة لحج وجبة "الخمير" فهي رفيق الأسرة الدائم ونكهة الحياة اليومية، حيث لا يخلو أب بيت بلحج من هذه الخميرة وطعمها المُميز.
وتوصف وجبة الخمير بأنها رائحة الصباح المفعمة بالحيوية والنشاط ومائدة المساء الشهيّة، حتى أن الزائرين لمدينة الحوطة بشكل خاص من المحافظات المجاورة لا يحبذون الخروج منها إلا وقد حملوا الخمير في طريق عودتهم إلى أسرهم أو حين ذهابهم إلى مقاهيها الشعبية لتناول هذه الوجبة اللذيذة.
"المشهد العربي" يسلط الضوء على هذه الوجبة الشعبية في هذا الاستطلاع المصور:

استطلاع ـ خلدون البرحي
تتميز محافظة لحج بأكلاتها الشعبية المختلفة، حيث تأتي صناعة الخمير في مقدمة تلك الوجبات التي لا تستطيع الأسر التخلي عنها.
وبرغم الظروف الاقتصادية الصعبة ومنافسة أفران الروتي والرغيف، فإن تلك الوجبة لم تفقد مكانتها وظلت الأساس الدائم والقائم في وجبتي الإفطار والعشاء، حيث يتم تحضيرها بطريقة سهلة، لكنها تحتكم لمعايير وشروط دقيقة تتكامل فيها مراحل التحضير لإنتاج وصنع الخميرة.


المقادير
تقول أم علي، إن مقادير المواد المستخدمة في صناعة الخمير تخضع لشروط معينة من بينها معرفة عدد أفراد الأسرة، ليتم صناعة الخمير بما يتناسب واحتياج الأسرة دون الإسراف إلى ما لا حاجه له، وكذلك رتوفير أدوات محددة من بداية العجينة وحتى خبازة الخمير.
وأوضحت أن أول مرحلة إعداد الخميرة تبدأ من توفير الدقيق والحوارة (الغربال أو المشن)، ووعاء خاص فيه الماء مخلوط بمقادير معينة من الملح والشتوة (الخميرة)، يضاف إليهم الدقيق بعد شنه بالمشن وإخراج الرواسب.
ولفتت إلى أنه يجرى بعد ذلك مخالطتهم وعجنهم لمدة ربع ساعة حتى تختلط المواد مع بعضها البعض ويتحولوا إلى عجينة لينة، وتترك العجينة بعد تغطيتها جيداً حتى تتخمر، وبعد ساعات من ترك العجينة يجري تقسيمها على هيئة كرات استعداداً لخبزها.
وأردفت أم علي، عند دخول وقت الخبيز يوضع الحطب في النوفا "التنور"، الذي يجرى صناعته يدوياً من قبل نساء ورجال متخصصين في صناعته بمحافظة لحج من الطين وروث الحيوانات، ويتم إشعال النار بالحطب في داخل النوفا ويجرى الانتظار حتى تنخفض النار.

خبز الخمير
لا تختلف المقادير وطريقة تحضير عجينة الخمير من أسرة إلى أسرة ومن منطقة إلى منطقة في محافظة لحج، وتحديداً في مديريتي الحوطة وتبن، إلا في تفاصيل صغيرة جداً لكن النتيجة واحدة، وهي وجبة شعبية مميزة الرائحة ولذيذة الطعم.
وتشير أم عبدالله إلى أنه بعدما تنخفض شعلة النار في النوفا يتم تحضير العجينة على شكل كرات مستديرة والتي تحببها بعض النساء كبيرة الحجم والبعض الآخر يجعلها صغيرة، ونساء آخريات يفضلنها متوسطة الحجم، على أن يتم تنطيع العجين بالأيدي وتبلل بماء خفيف، حتى تلتصق بجدران النوفا، وتبدأ عملية خبزها وإدخالها في النوفا الذي يختلف حجمه من مكان لآخر ومن منزل لآخر، كما توضع العجينة على جدرانه بشكل دائري إلى آخر عجينة.

ملاحظات ضرورية
وتضيف أم عبدالله، أن هناك عمليات بسيطة يجب أخذها في عين الاعتبار للحصول على خمير حلو، وتكمن تلك الملاحظات في وجوب تخفيف حرارة النار تحت العجينة حتى تنضج بشكل مستوي في أطرافها العلوية والسفلية التي تقترب كثيراً من النار، مشيرة إلى أنه إذا لم يتم الالتزام بهذه الجزئية فإن العجينة تحترق من أسفل ولا تنجح بشكل جيد من أعلى.
ولفتت إلى أنه من الملاحظات أيضاً عند نطع الخمير يجب رهفه بشكل جيد حتى لا يكون محشو بالعجين الزائد، لأن نطع العجين جيداً ورهفه يجعله أقل سمكاً ويعطى خمير متناسق الأجزاء ويكون شاحط "مقرمش" من أعلى، وطري من الداخل.
ومن الملاحظات التي أشارت إليها أم عبدالله أيضاً ضرورة تغطية النوفا جيدا بغطاء خاص لأنه يساعد على توزيع الحرارة ووصولها إلى كل أجزاء العجين ونجاحه بشكل جيد، مؤكدةً أن الالتزام بالملاحظات تساعد في الحصول على خمير مستوٍ لونه أقرب إلى الذهبي ورائحته وشكله شهي وطعمه لذيذ يمكن تناوله كامل دون التخلص من الأجزاء المحروقة او الحشوات الزائدة في داخلة والتي تكون غالباً غير ناضجة أو يخالطها دقيق أو عجين لم تصل إليه الحرارة.

جاهز للأكل
بعدما يمر الخمير في العديد من المراحل منذ إعداد المقادير مروراً بخلط المقادير مع بعضها وعجنها جيداً وصولاً إلى خبز العجين بالنوفا وإخراجه بعد أن يستوي يتم تقديمه للأسرة جاهزاً للأكل، وتزداد لذة الخمير بإضافة مواد أخرى بحسب خصوصية كل أسرة أو ما تشتهيه أن يكون مرافقاً للخمير.
ويقول مُطيع عبده علي، إنه يتناول الخمير مرتين في اليوم في الإفطار صباحاً وفي العشاء مساءً، وفي الفترتين تختلف المواد المصاحبة له بين الصباح والمساء وهذا طبعاً بحسب مزاج ورغبة الشخص في كيفية أن تكون وجبته في الفطور أو في العشاء.


ولفت إلى أنه في المنزل عادة ما تأكل الخمير إما مع الفول أو الدالو الصليط "زيت السمسم"، أو مع السمن البلدي والشاي الأحمر وجميعها تعطي مذاقاً خاصاً ومميزاً للخمير، لذا تجد الكثير من الأسر في تبن والحوطة مهتمة بهذه المواد حتى أصبحت عادة محببة ولها خصوصية في حياتها.
وأشار إلى أن هناك أسر تفضل أكل الخمير مع البيض أو التونة أو السمك والشاي بالحليب وغيرها من المواد المرافقة في وجبتي الصباح والمساء من منطلق التغيير.
وتابع: "في حين يفضل بعض الأشخاص الذهاب إلى المقاهي الشعبية في الحوطة وهناك يأكلون الخمير الذي تصنعه بعض النساء في البيوت وتبيعه للمطاعم الشعبية ليباع على الزبائن الراغبين بوجبة إفطار أو عشاء مزينة بالخمير".

بيوت بدون خمير
يشهد الخمير في محافظة لحج انحساراً متزايداً في السنوات الأخيرة، حيث لم تعد الكثير من الأسر تقوم بتصنيعه في المنازل خاصة في مدينة الحوطة وبعض مناطق مديرية تبن لأسباب عديدة.
ويقول الشخصية الاجتماعية محمد أحمد سالم، إن الخمير كان ومازال أهم وجبة شعبية في محافظة لحج، تناقلها الناس جيلاً بعد جيل حتى اليوم، ولكن الخمير أصبح غائباً في العديد من البيوت اللحجية وذلك للعديد من الأسباب التي في مقدمتها انتشار أفران الروتي والرغيف والمخابز الشعبية والمطاعم، إضافة إلى مشاق الحصول على الحطب.

وشدد على أنه من بين الأسباب التي جعلت وجبة الخمير تنتهي في العديد من منازل محافظة لحج هو الوضع الاقتصادي المتردي الذي تشهده البلاد منذ مطلع عام 2015؛ بسبب الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي على المحافظات الجنوبية وفي مقدمتها محافظة لحج والتي أدت إلى انقطاع الرواتب وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانتشار الأمراض.

بدوره يقول الشاعر والأديب عبدالله هادي سبيت في إحدى مذكراته، أن السلطان علي عبدالكريم كان دائم الالتقاء بهم في قصر الروضة وقد كان في القصر كل ما لذ وطاب من العسل واللحم، لكن عندما كان يحين وقت الفطور أو العشاء كان السلطان يرفض أكل تلك المأكولات ويفضل أكل لحج التقليدي، قائلاً: "أنا لا أريد إلا خمير قودرية وفول عبدالمنان".
وظل الخمير ملازماً للأسر اللحجية أجيال متعاقبة حتى اليوم، وبسبب ذلك التعاقب أصبح ماركة لحجية بامتياز حتى مع المحاولات العديدة في تقليده في بعض المحافظات ونتيجة لصعوبة الأمر كان البديل لتلك المحافظات هو أن يتزوج شبابها بفتيات من لحج عبر حيلة ذكية ومشروعة يُراد منها نقل أسرار وصفة الخمير إلى تلك المحافظات.