خالد وهبي.. النداء الأخير!

محمد العولقي

* ليس لعدن إلا أن تبكيه بكاءً خالداً يبلل ثراه الطيب الذي ووري فيه غيلة، وليس لنا نحن محبيه إلا أن ننعيه رثاء يعدد مناقبه التي لا تعد ولا تحصى.
* (خالد وهبي) الإنسان العدني المرهف الحس اختار خاتمته مهد ولادته، تمرد على الغربة الموحشة، استجاب في لحظة لهفة لنداء (عدن)، فلبى النداء ثم غاص في أعماقها رفاتا برائحة تراب مدينته التي منحها حياته طفلا، فشابا، فكهلا..

* ظل (خالد وهبي) حتى لحظة رحيله الدراماتيكي بسيطا مثل نسمة صيف تهب من بحر عدن فتمنح أجسادنا المكدودة بإرهاصات الألم انتعاشة تفاؤل، ظلت سماؤه دائما صافية نقية في نقاء قلبه الأبيض الذي استوعب كل متاعبنا وإحباطاتنا ومقالبنا.
* لم يكن (خالد وهبي) الإنسان التلقائي الذي يعطيك من طرف لسانه حلاوة روحه يختلف عن (خالد وهبي) المدير العام أو الدبلوماسي أو الرياضي، فهو دائما يتشكل مع معاناة ناسه في عدن، لا يعرف عنوانا للأبراج العاجية، ولا يعرف بريدا للتعالي، عاش حياته في ظل الناس لم يبخسهم حقوقهم، وهو يوفي بالمكيال ويضبط بوصلة العدل على مقياس أخلاقه الحميدة التي تشع من جبينه نورا تعرفه بسيما في وجهه.

* نعم يا (خالد)، الليل إذا عسعس إنما هو يسعى كي يصبح سلوانا لك، دعك من النهار، فقد تجلت فيه أعمالك وثقلت فيه موازينك، فثمة ما يحرضنا على قراءة صحيفة أعمالك لمعرفة ما بقي منه حيا، ومدى موقعه في قلب كل عدني عرفك وتشرف بصحبتك استنادا إلى الآية القرآنية: «(... فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
* بين (خالد وهبي) وبين محبوبته (عدن) رابطة كيميائية عجيبة، وبينه وبين ناسها تجانس هارموني مثير للغاية، فخالد لا يطيق فراق (عدن)، دائما يبدو هائما في الغربة بين جبالها وتضاريسها وبحرها الذي استمد منه العطاء إلى آخر لحظة من حياته.

* ضاق صدر (خالد) وهو يبتلي بهموم الغربة، كان ليل (أديس أبابا) طويلا طويلا، تمطى على صدره، كان نداء (عدن) يصم أذنيه ويتوغل إلى أعمق أعماقه، إنه النداء الأخير في يوم النفير.
* ملأ (خالد) رئتيه بهواء عدن، طاف بأزقتها بعض الوقت، واستعاد قليلا من ذكريات الطفولة والصبا والكهولة، كان صدره يزفر الكثير من ويلات الغربة، ليلتها وضع رأسه على صدر (ست الحبايب) ونام ملء جفونه عن شواردها، تاركا الخلق يسهرون ويختصمون ..

* عرفت (خالد وهبي) مسؤولا ثابت المبادئ، لم يساوم على الجنوب، ولم يطبل مع من طبل للتشرذم الجنوبي، كان (خالدا) في محرابه وهو يختم حياته مسكا رافضا الانخراط في حلف سياسي مشبوه يدعو إلى وأد قضية الجنوب، قال لتجار البشر والحجر : لو وضعتوا كنوز العالم في يميني، ومغريات زينة الحياة في يساري، لما تنازلت قيد أنملة عن موقفي تجاه شعبي في الجنوب وقضيته العدالة.

* غادر (خالد وهبي) هذه الدنيا الفانية دون وداع، مخلدا سيرة رياضية وسياسية ودبلوماسية واجتماعية مثخنة بحب الناس البسطاء، وستبقى حسرة الفراق الأليم غصة في حلقي ودمعة في عيني وحرقة في قلبي إلى يوم اللقاء العظيم، أخيرا لا يسعني إلا المضي خلف المؤمنين الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون..!


مقالات الكاتب