هل اعترفت الأمم المتحدة بالجرائم الحوثية بعد خراب مالطا؟
عندما وقع الاحتلال الفرنسي على مالطا قبل 221 عاماً وتحديداً في سنة 1798، قضى على أخضرها ويابسها، حتى فتك بها "الخراب"، ولم يشفع ولم ينفع تحريرها، فانطلق ذلك القول التاريخي الشهير "بعد خراب مالطا".
أعادت الأمم المتحدة، هذا القول التاريخي في واقع اليمن المعاصر، فبعدما تركت المجال أمام مليشيا الحوثي الانقلابية تعيث في الأرض قتلاً وإفساداً، باتت توجِّه لها انتقادات واتهامات، لكنّها ربما صدرت "بعد خراب مالطا".
المنظمة الأممية قالت إنّ المظاهر المسلحة للمليشيات الانقلابية في ميناء الحديدة ما زالت مستمرة، في تكذيب هو الأول من نوعه للمزاعم الحوثية بالانسحاب الأحادي.
ودحض كبير المراقبين الأممين مايكل لوليسجارد، الرواية الحوثية التي زعمت انسحابهم الأحادي من موانئ الحديدة الثلاثة، وقال إنّه لوحظ أنَّ المظاهر العسكرية في ميناءي الصليف ورأس عيسى قد أزيلت، لكنها ما زالت موجودة في ميناء الحُديدة.
وبحسب بيان أممي، بعث لوليسجادر برسائل متطابقة إلى ممثلي الحكومة والحوثيين في لجنة الحديدة، شملت "معلومات مُحدثة" حول حالة إعادة الانتشار الأولية التي قام بها الحوثيون من موانئ البحر الأحمر الثلاثة، في الفترة بين يومي 11و14 مايو الماضي.
وتراجع "الجنرال الأممي" عن دعم الإجراءات الحوثية الأحادية بعد احتجاج حكومي شديد اللهجة، وذلك عقب استقبال الرئيس عبدربه منصور هادي للمستشارة السياسية للأمين العام للأمم المتحدة، وأشار كبير المراقبين إلى أنَّه يتعيَّن على بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة، التأكُّد من حجم قوة خفر السواحل المتُفق عليها (450 فرداً) التي تُوفِّر الأمن في الموانئ الثلاثة، في إشارة إلى أنَّ مليشيا الحوثي قد دفعت بأعداد أكبر.
ودعا المسؤول الأممي، الحوثيين إلى إكمال عملية إزالة جميع المظاهر العسكرية بسرعة، بما في ذلك الخنادق كجزء من التزامهم بالعملية، وفي ظل استمرار التزام الطرفين باتفاق الحديدة، حثّ على الانتهاء من المفاوضات المُعلقة للسماح بالتنفيذ الكامل للمرحلتين الأولى والثانية.
وقال البيان إنّ بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة مراقبة الموانئ الثلاثة، تعمل بفعالية للتحقق من استمرار خلوها من المظاهر العسكرية ومتابعة الأمور المُعلقة المتعلقة بحقول الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب والمظاهر العسكرية.
هذا التطوُّر اللافت في لهجة الأمم المتحدة تجاه الحوثيين يأتي بعدما التزمت صمتاً مروِّعاً على عديد الانتهاكات والخروقات التي ارتكبها الانقلابيون وأدّت إلى إفشال اتفاق السويد الذي تمّ التوصُّل إليه في ديسمبر الماضي.
ويرى محللون أنّ كل المعطيات على الأرض تشير إلى أنّ أيام جريفيث باتت معدودة، بعدما أثبت ما يمكن اعتباره فشلاً ذريعاً في التعامل مع معطيات الأزمة اليمنية.
العديد من المعلومات المتوفرة لم تكتفِ فقط بالحديث عن إقالة جريفيث من منصبه الأممي، بل حدَّدت بديلاً يتولى هذه المهمة الشائكة، إذ بات الحديث يتردَّد عن اسم الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر كخليفة محتمل لـ"جريفيث".
كما تواترت أنباء عن تكليف عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرتش مستشارَه الخاص لمنع الإبادة الجماعية السنغالي أداما ديينج، بمهام خاصة في الملف اليمني، الأمر الذي يعزز من فرضيات إعفاء جريفيث من مهام عمله.
إقالة جريفيث وتعيين مبعوث جديد في هذا التوقيت قد يؤشر إلى فشل الأمم المتحدة بشكل كبير في التعامل مع الأزمة اليمنية، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة لا يجب أن تكون كما سبقها.
جريفيث اتهم بشكل كبير بأنّه كان محابياً لمليشيا الحوثي، وتساهَل أمام عديد الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون ولا يزالون يرتكبونها دون أي محاسبة.
"المبعوث" كان قد أشاد خلال إحاطةٍ قدمها بمجلس الأمن في منتصف مايو الماضي بما تحقق في الحديدة، إلا أنّه في ذلك الوقت كانت المعارك قد تجدَّدت في المدينة.
وقال جريفيث في تلك الكلمة: "لقد غادرت قوات أنصار الله (الحوثيين) الآن الموانئ الثلاثة.. أود أن أهنئ الجنرال مايكل لوليسجارد وفريقه (المراقبين الدوليين) على هذا الإنجاز، وأعرب عن امتناني لهم على ثباتهم في دعم اتفاق الحديدة".
وأضاف: "هذا التقدم سيمكن الأمم المتحدة من دور رائد في إدارة وتفتيش الموانئ، حيث المفتشون مستعدون للانتشار".
إلا أنّ الواقع كان مغايراً، حيث انسحب مسلحون من الموانئ، وحلّ محلّهم حوثيون آخرون، لكنهم كانوا يرتدون زياً موحداً لقوات خفر السواحل، بحسب الضابط البارز عبده حزام.
المبعوث الجديد "المنتظر" عليه تغيير النهج، وبات على الأمم المتحدة إثبات حسن نواياها إن كانت صادقة في التعاطي مع هذا الملف، إذ لم يعد مقبولاً بعد الآن عدم تسمية الطرف المعرقل للحل السياسي، وهم الحوثيون، باسمهم، كما سيكون مرفوضاً كذلك عدم الضعط على المليشيات لإيقاف جرائمها التي بلغت صنوفاً عديدة.