التربية والتعليم .. أوضاع ومسارات وأرقام مفزعة
د.عبده يحيى الدباني
- الجنوب وحرب الأمراض القاتلة !!
- حين تكون الشجرة وطنا
- نحررهم اليوم ليحتلونا غدا !!
- قطرات من سماء الوطن
خلال العطلة الصيفية المنصرمة وصلتني يوما دعوة من إدارة مدرسة الشعب للتعليم الأساسي إلى اجتماع لمجلس الآباء والأمهات ؛ فإذا بالاجتماع لم يكن اعتياديا ولكنه كان لانتخاب مجلس آباء وأمهات جديد للمدرسة .
كان الحضور لابأس به من الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات وبعد مناقشات جرى انتخاب مجلس آباء وأمهات من الحاضرين فوجدت نفسي قد أخترت رئيسا لهذا المجلس وأظن أن العادة أو النظام أن مدير المدرسة هو من يكون رئيس مجلس الآباء بشكل تلقائي لأنه هو الذي سيدير المدرسة والمجلس معا ولكن لأن مديرة المدرسة هي من طالباتنا في كلية التربية عدن قسم اللغة العربية فضلت هي أن تكون النائبة وأن يكون استاذها الرئيس نوعا من التقدير والاحترام.
في حقيقة الأمر لم أكن جاهزا لهذه المسؤولية الجديدة التي أضيفت إلى أعباء ومهام كثيرة اتحملها اكاديميا ومدنيا ووطنيا ولكنني قبلت مستعينا بالله ومراهنا على نشاط زملائي في المجلس .
مرت الأيام وبدأ العام الدراسي وانشغلت الإدارة في أمور فتح المدرسة واستقبال الطلاب وترتيب المدرسين وغيرها من التجهيزات ، ولم تتواصل معنا الإدارة بحكم مشاغلها فبادرت بالتواصل معهم لمعرفة مايعانونه من نواقص في الكادر التدريسي وفي التجهيزات المدرسية وغيرها ؛ ومن ثم بادرت في زيارة المدرسة ؛ ولقد أوجعني مارأيت فليس هناك حارس للمدرسة فبابها مغلق من الداخل ويقوم بمهمة الحارس أحد أعضاء الإدارة فوق مهامه؛ وفي داخل المدرسة وجدت صفوفها وممراتها ومساحتها مليئة بالأوراق والأكياس والأتربة؛ فعرفت من الإدارة أن المدرسة من غير عامل نظافة .
قيل لي إن المتاح للمدرسة إن توظف حارسا براتب عشره ألف ريال بالشهر تستقطعها من رسوم الطلاب وكذا لها أن توظف عامل نظافة بالراتب نفسه؛ وكنت قد علمت بذلك من قبل وحين حاولت أساعد المدرسة في البحث عن حارس وعامل نظافة وجدت كثيرين يرغبون في العمل ولكن حين سمعوا أن الراتب الشهري عشرة الف فقط اختفوا وبعضهم اعتذر ولهم الحق في ذلك.
قلت لبعض النواب اطلبوا من إدارة التربية أن تسمح لكم بصرف عشرين ألفا للحارس وعشرين ألفا لعامل النظافة
ونحن سنحاول مع أهل الخير ان نجمع فوقها ؛ فقالوا (كم الديك وكم مرقه) فالمبالغ المحلصة من رسوم الطلاب لا تكفي لذلك حتى إذا سمحت لنا إدارة التربية.
وهنا أوجه كلامي إلى وزارة التربية وإلى مكتب التربية في عدن وفي مديرة البريقا ألم يكن هناك شاغر وظيفي لحارس واحد أو اثنين لكل مدرسة وألم يكن هناك شاغر لوظيفة عامل نظافة واحد أو أكثر لكل مدرسة؟ أين تذهب هذه الشواغر؟ أو أين الذين توظفوا على حساب هذه الشواغر ومن كان يشغلها من قبل؟ وأن لم تكن هناك شواغر وظيفية رسمية فهناك لدى الوزارة أو مكتب التربية شواغر للتعاقد على الأقل .
تسأل هذا وذاك لتصل إلى جواب نهائي لايزيد عن كلمتين:- ( إنه الفساد ) .
مررت أنا ووكيل المدرسة على الصفوف فاجأني سلوك الطلاب صياحا وضجيجا داخل الصفوف والبعض يلاحق المدرس ويمسك به من غير احترام ويلح على أن يغادر المدرسة وأن يفتحوا له الباب .
بعض الصفوف هادئة بحكم شخصية المدرس وشغله للطلاب وسيطرته على الصف؛ وبعض الصفوف لا تكاد تسمع فيها إلا صياحا ومزاحا ولا ترى إلا استهتارا واما حين يكون الصف من غير مدرس فإن الصف يتحول إلى حديقة من الجنون والشغب.
اشفقت على المعلمين والمعلمات من هكذا وضع رغم عدم الحزم عند بعضهم .
والأمر لا يتعلق بهذه المدرسة فحسب فلعلها تمثل حالة أفضل من مدارس أخرى ففيها مدرسون ممتازون ؛ ولكن هذا الوضع نفسه يعم مدارسنا الحكومية بشكل عام في عدن خاصة وفي الجنوب عامة إلا مارحم ربي في حالات استثنائية هنا وهناك ؛ ولعل هذا الوضع نفسه هو الذي جعل كثيرا من الأسر تعلم ابناءها في المدارس الأهلية رغم ارتفاع الكلفة ومشقة ذلك على كثير من الأسر التي اتجهت نحو التعليم الأهلي .
فنحن جميعا في كل الحالات خسرانون .. خسرانون سواء ذهب أولادنا إلى المدراس الحكومية أو إلى المدراس الأهلية مع أن التعليم الأهلي كذلك له مشاكله وعيوبه في ظل ضعف الإدارة والرقابة من قبل وزارة التربية والتعليم ومكاتبها فضلا عن مشاكل أخرى.
وقبل أن أعود من المدرسة يرافقني كثير من الإحباط والأسى ؛ سألت الزملاء هناك في الإدارة عن أي هموم أخرى يعانونها فذكروا لي نقصا في السبورات ونقصا حادا مزمنا في الكتب المدرسية مع أنها تباع في الأسواق؛ ونقصا في بعض مدرسي المواد أما الكراسي فقد وجدت المعلمين بعضهم جالسا وبعضهم واقفا نظرا لنقص الكراسي في مكتبهم وأما مختبر المدرسة فهو مغلق حتى إشعار آخر حين يبدأ العلم وينتحر الجهل ؛ فهو مختبر من غير مواد، مثل بئر من غير ماء .
لقد أصبح التعليم في مدارسنا وكلياتنا نظريا فقط حتى في الأقسام العلمية في كليات التربية وكلية الهندسة وكلية العلوم وغيرها إلا قليلا مما يحصنون .
ولكي نكون منصفين فان كليات الطب إلى حد طيب ماتزال تهتم بجانب التطبيق العملي لأنه عمودها الفقري.
وحين سألت عن مديرة المدرسة قالوا : هي في دورة تبع الوزارة هي ووكيل المدرسة.
لاحظوا هذه الوزارة التي لا تتذكر الدورات إلا مع بدء العام الدراسي !! يعني هذه الأيام جميع المدراء والوكلاء معهم دورة في حين أن مدارسهم بأمس الحاجة إليهم .
هذه النواقص التي تعانيها المدرسة رغم أهميتها فإنها ليست صعبة التوفر إذا هناك استشعار بالمسؤولية سواء من قبل الجهات الحكومية المختصة أو من قبل المجتمع أو المنظمات المعنية .
فمثلا إذا توفر مبلغ 30 ألف ريال في كل شهر استطعنا أن نوظف حارسا للمدرسة وإذا توفر مثلها كل شهر كذلك وربما أقل استطعنا أن نوظف عامل أو عاملة نظافة ؛ ولكننا نعاني غيابا شاملا عن تعليم أبنائنا في بيوتنا وفي مدارسهم . تجارنا وأغنياؤنا موجودون في كل حي ولكن آخر ما يمكن أن يدعموه هو مدارس أطفالهم وشبابهم فضلا عن ضعف العلاقة بين المدرسة والأهالي وضعف الاهتمام بجانب العلاقات العامة لدى الإدارات المدرسية.
وأولا وأخيرا فالتربية التعليم من مهام الحكومة التي نخرها الفساد حتى صارت مجرد هياكل لا روح فيها مثل الهيكل العظمي الواقف في مشرحة كلية الطب البشري .
ومن هنا ندعو كل ذي ضمير وكل ذي عقل في هذه البلدة الطيبة وفي كل الجنوب إلى الاهتمام بالتعليم فلا تنهض الأمم والشعوب إلا به .
ونوصي رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي والجمعية الوطنية والأمانة العامة وكل القيادات المحلية إلى الاهتمام بهذا الحقل الحيوي في سبيل النهوض به وإخراجه من 9مساراته الراهنة المفزعة وهوته السحيقة التي تردى فيها منذ حرب احتلال الجنوب عام 1994م.
ولن يتحقق ذلك إلا من خلال نهضة شاملة وخطة متكاملة يكون التعليم في صدارتها .
وأخيرا هاكم هذه الأرقام والنسب التي تخص التعليم في اليمن بوجه عام وبعضها تخص التعليم في الجنوب قبل الوحدة الورطة .
1- متوسط سنوات الدراسة في اليمن في عام 2016م ثلاث سنوات فقط وهي نسبة ضئيلة جدا عالميا.
2- في اليمن هنالك 15 ألف منشأة تعليمية فقط قبل الحرب.
3- كان مخطط دولة الجنوب قبل الوحدة مع الشمال ان تبلغ نسبة الملتحقين في الدراسة 100 % بحلول عام 2001م 2002م . يرافق ذلك القضاء على معدلات الأمية بين البالغين.
4- في عام 1984م أشادت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بجهود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مكافحة الأمية حيث حصلت بلادنا الجنوب على المرتبة الثانية بعد تونس في هذا المجال.
5- بلغت نسبة الأمية في اليمن عام 2014م 35% من السكان وفي الوقت الراهن بلغت 60% .
6- ارتفع عدد الأطفال الذين لا يحصلون على تعليم من ميلون طفل عام 2010م إلى أربعة مليون طفل عام 2017م .
هذا غيض من فيض .
د عبده يحيى الدباني.