الأمم المتحدة تحذر من إبادة جماعية للروهينغا في ميانمار

السبت 9 نوفمبر 2019 19:48:33
الأمم المتحدة تحذر من إبادة جماعية للروهينغا في ميانمار

أصبحت إبادة الروهينغا الجماعية، ونزوح 700 ألف منهم هربًا من اضطهاد الجيش الميانماري، من المآسي العالمية الشهيرة في جميع أنحاء العالم، إذ عاش معظم لاجئي الروهينغا في المخيمات في بنغلاديش على مدار العامين الماضيين، ولكن ما لا يعرفه الجميع، هو أنه لا يزال هناك 600 ألف شخص آخر من الروهينغا في ولاية ”راخين“ في ميانمار، وربما يكونون أكثر عرضة للخطر من أولئك الذين أُجبروا على الفرار.
وتطرق مقال للبروفيسورة إليز كارلسون راينر والدكتور آنيش غويل في مجلة ”فورين بوليسي“ الأمريكية، إلى تقرير صادر عن محققي الأمم المتحدة في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، كشف أن الروهينغا الذين ما زالوا في راخين يعيشون في ظروف مؤسفة ويواجهون خطر الإبادة الجماعية، ويتهم التقرير صراحة جيش ميانمار ”بمعاملة الروهينغا بنية الإبادة الجماعية“، وارتكاب جرائم الحرب بما في ذلك العمل بالسخرة والتعذيب ضد المدنيين.
وكشف بعض الناجين أن الجيش يجري عمليات قتل واغتصاب جماعي، في حين يرفض الجيش الميانماري هذه المزاعم باعتبارها ”من جانب واحد“، ومع ذلك يوجد إجماع واسع في المجتمع الدولي يؤكد أن الروهينغا الذين ما زالوا في راخين لا يزالون في خطر شديد، وأن الوضع مروع على جميع المستويات.
وعلى مدار الـ 30 عامًا الماضية، تباينت مكانة ميانمار العالمية بين المنبوذة والمحببة، وهو تذبذب يرجع بقدر كبير إلى انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وبالأخص، سوء المعاملة التي يعاني منها سكان ميانمار على أيدي حكومتهم، فالعوامل الأخرى التي غالبًا ما تؤدي إلى سخط دولي، مثل رعاية الإرهاب أو تطوير أسلحة نووية أو التلاعب بالاقتصاد، غير متوافرة في حالة ميانمار.
وأشار الكاتبان إلى أن سبب انقلاب الحكومة على شعبها لا يزال غامضًا، حيث يدعي جيش ميانمار أنه ينفذ هذه الهجمات على مسلمي الروهينغا لطرد المتمردين وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، ولكن الحقيقة المحزنة هي أن انتهاك ميانمار لحقوق الإنسان يقوض أمنها أكثر بكثير من أي مكاسب مزعومة تحققها.
فقد أثبتت نظريات وممارسات العلاقات الدولية أن انتهاكات حقوق الإنسان غالبًا ما تكون السبب الرئيس للنزاع المحلي والإقليمي والدولي، وسواء كان التمييز العنصري قائمًا على الدين أو العرق أو الأصل القومي، غالبًا ما تنشأ الحرب من الحرمان المنهجي لحقوق الإنسان.
وفي العديد من الحالات حول العالم، بما في ذلك جنوب وجنوب شرق آسيا، أدت انتهاكات حقوق الإنسان إلى سقوط الشرعية عن الأنظمة، وانهيار الحكومات، ونشوب الثورات، إذ عادة ما تصبح طريقة معاملة البلد لشعبه، العامل الرئيسي في تشكيل علاقته الدبلوماسية مع المجتمع الدولي.
وأصبح الاضطهاد المنهجي والشامل للروهينغا في ميانمار الآن القضية المحورية لحقوق الإنسان في البلد، كما أنها القضية المركزية التي يحدد على أساسها المجتمع الدولي سمعة ميانمار وقدرتها على أن تصبح شريكًا تجاريًا وأمنيًا عصريًا.
وقال الكاتبان، إنه ”حتى إذا تجاهلنا الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينغا، أظهر جيش ميانمار أنه غير قادر على الحفاظ على السلام والأمن داخل حدوده، فهناك 17 مجموعة عرقية مسلحة تتقاتل من أجل الانفصال عن ولاية ميانمار، والعديد من هذه التمردات كانت مشتعلة منذ عقود. وبعيدًا عن راخين وأزمة الروهينغا، لا يزال الصراع العرقي يهدد شرعية الأمة ويعيق استقرار الدولة“.
وتهدد التمردات العرقية بتمزيق البلاد، ولكن جيش ميانمار ليس لديه المهارة أو القدرة على قتالهم، إذ يفتقر إلى التواصل مع الجيوش الأجنبية الحديثة على مدار الـ 30 عامًا الماضية، وبسبب العقوبات المفروضة عليها منذ أوائل التسعينيات لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، لم تتمكن ميانمار من تعزيز احترافية جيشها، أو التعرف على التقنيات الحديثة لمكافحة الإرهاب، أو الاستفادة من التطورات في التكنولوجيا العسكرية.
ويشير الكاتبان إلى أن تدهور الأمن الناشئ عن أفعال ميانمار لا يتوقف عند حدودها، بل ينتشر في جميع أنحاء المنطقة، فمخيمات اللاجئين في بنغلاديش غير ملائمة من حيث الأمن، والصرف الصحي، والعنف العنصري، والرعاية الصحية، والتعليم، وحتى الآن لا توجد استراتيجية لتحديد المصير النهائي للاجئين، وتظل حياتهم معلقة.
ووجود هذه المخيمات بحد ذاته يزعزع استقرار المنطقة المحيطة، فالعديد من دول جنوب شرق آسيا تحتوي على عدد كبير من الروهينغا، واستمرار الإساءة ضد روهينغا ميانمار، يجعل هؤلاء السكان أكثر عرضة للتطرف.
وفي الماضي، وفقًا للمقال، فإن  جماعات الروهينغا الأجنبية خلصت إلى أن الحل الوحيد للتعامل مع عنف ميانمار ضد الروهينغا هو الجهاد، ما خلق جماعات إرهابية محلية.
من جانبه، وثّق مكتب الأمم المتحدة المعني بحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب، كيف يمكن لإساءة استخدام السلطات لحقوق الإنسان أن تدفع الناس إلى التطرف، ما يأتي بنتائج عكسية على أمن الدولة.
 وإضافة إلى الأمن الإقليمي، أشار الكاتبان إلى التأثير السلبي الكبير لأزمة الروهينغا على أمن ميانمار الاقتصادي، حيث أدت العقوبات المفروضة ردًا على انتهاكات حقوق الإنسان إلى خنق الاقتصاد وهبوط معدل النمو إلى أقل من مستوى التوقعات.
ووثقت مراكز الأبحاث المستقلة كيف تضررت صناعة النسيج في ميانمار بعد فرض العقوبات الأمريكية في عام 2003، ما أدى إلى تباطؤ معدل نموها مقارنة بالدول النامية الأخرى في آسيا، وفي هذه الحالة، أضرت العقوبات بصناعة نامية كان من شأنها أن تخفف الفقر الواسع الانتشار، وعلى نطاق أوسع، كان للعقوبات تأثير مدمر على الاستثمار الأمريكي في ميانمار، ما يحول دون التعاون الذي يؤدي لتوفير تكنولوجيا جديدة، وظروف عمل أفضل، والوصول إلى الأسواق العالمية.
ويقول الكاتبان إنه على الرغم من وجود أمثلة عديدة، تظل النقطة الأساسية هي أن جيش ميانمار يضر بأمنه القومي من خلال الاستمرار في إيذاء شعبه ومهاجمته.
ويؤكد الكاتبان أنه في ميانمار، تؤجج أفعال الحكومة من الانقسام القومي والديني، فلطالما نظرت حكومة ميانمار، ولا سيما الجيش، إلى الروهينغا على أنهم مهاجرون يعيشون بشكل غير قانوني في البلاد، على الرغم من أن العديد من عائلات الروهينغا كانت تعيش في راخين منذ أجيال، فهم مجموعة عرقية مختلفة عن شعب ميانمار الأصلي، كما أنهم مسلمون في بلد يهيمن عليه البوذيون، الأمر الذي يجعلهم هدفًا سهلًا للحكومة والجيش، ومن خلال اضطهادهم، تستطيع الحكومة ارتداء عباءة القومية التي تساعد في بقائهم في السلطة، وقد تكون هذه الكراهية هي ما يشوش التقييم الاستراتيجي طويل المدى للجيش.
وقال الكاتبان إن المشكلة تكمن في عدم تقليص هذه الكراهية قريبًا، ما يعني أن الاضطهاد سيستمر، فعندما ترفض شخصية بارزة حائزة على جائزة نوبل للسلام مثل زعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي إدانة الإبادة الجماعية للروهينغا، فمن الصعب التمسك بأمل تغير الموقف، حيث يبدو أن الجيش لن يتوقف حتى يقضي على الروهينغا في راخين، وهذا الوضع سيؤدي إلى زيادة عزلة ميانمار وتدهور أمنها القومي أكثر، ولهذا السبب وحده، ينبغي على جيش ميانمار وقف هجومه على الروهينغا، إذا لم يكن يهتم بالقضية الإنسانية.