ما أبشع أن يمزق الطالب كتابه وكراسته!

هبت رياح الامتحانات هذه الأيام.. تلك الرياح التي لم تعد لواقح كما كانت من قبل، إلا فيما ندر.
ثمة ظاهرة بشعة تصحب هذه الامتحانات، سواء في التعليم العام أو التعليم الجامعي، وإن تكن أكثر بروزاً في التعليم العام، حيث نرى تلاميذ التعليم الأساسي وطلاب الثانوية ما أن ينتهوا من امتحان هذه المادة أو تلك حتى يمزقوا كتبها ودفاترها (عيني عينك)، قبل أن يصلوا إلى منازلهم، كأنهم ينتقمون منها ومن مدرسيها بطريقة بشعة. فيعلنون الخلاص منها.
إن تقطيع الكتب عملية لا تشبه إلا تمزيق أجساد الأطفال، فالكتب نفسها كائنات حية آدمية أو هكذا ينبغي أن تكون. فما أبشعها من ظاهرة!.
لقد سمعنا عن طلاب من جيل الرواد في بلادنا وما بعدهم أنهم كانوا يحتفظون بكراريسهم في دراستهم الابتدائية فتعيش معهم حتى يبلغوا الثانوية والدراسة الجامعية، أما أجيال اليوم فإنهم يتخلصون منها بعد أن ينتهوا من الامتحان ويعودون إلى منازلهم فارغين منها، لقد ذهبت أشلاؤها في الشوارع والأرصفة وأطعموها الريح، فوا حسرتاه عليها وعلى طلابنا في هذا الزمان!.
وحتى طلاب الجامعة لم يسلموا من هذا السوء، فما أكثر الملازم التي نجدها مرمية في الصفوف وفي أروقة الكليات مقطعة بعد كل امتحان ونجد بعضها قد تحول إلى قصاصات قبل الامتحان استخدمت كبراشيم، إننا نجد محاضراتنا وجهودنا ممزقة بعد موسم الامتحانات أو مكتوبة على جدران الصفوف، فوا أسفاه!
إنه جيل عجيب وغريب! تخاف منه وتخاف عليه إلا ما رحم ربي، يتعامل بعنف مع كل شيء، مع الكتب والكراسات والأدوات المدرسية ومع أبواب المدارس وأبواب الصفوف ونوافذها وسبوراتها وكراسيها ومع شبكة المياه ومفاتيح الكهرباء، وكل شيء فيها. طلاب يتعاملون بعنف حتى فيما بينهم، ويمتد ذلك العنف إلى مدرسيهم وإدارات مدارسهم.
ما هذا العنف الذي تتميز به هذه الأجيال الجديدة التي نراهن عليها في بناء المستقبل؟ حتى ألعابهم عنيفة وخطيرة، وما أكثر ضحاياها منهم!.
لا تجد جدار فصل نظيفاً، بعد أسبوع واحد فقط من إعادة طلائه تجد كتابات تغطيه، كلاماً ما أنزل الله به من سلطان، فلا خطاً جميلاً ولا كتابة صحيحة ولا معنى مستفاداً، فأكثر العبارات هابطة في معناها ومبناها.
أذكر جيداً حين كنا في الصف الأول الثانوي في مدرسة الشهيد لبوزة في الحبيلين عام 1980م كنا أول دفعة ندرس في تلك الثانوية الجديدة التي أهدتها دولة الكويت الشقيقة، طيبة الذكر، لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية طيبة الذكر، قضينا فيها عاماً كاملاً من غير أن تجد خدشاً صغيراً على أي جدار أو تكسيراً ما في أي حمام أو مختبر أو غيره.
انتهى العام الدراسي الأول والكراسي والطاولات التي درسنا عليها ماتزال محتفظة بقراطيسها الواقية ولم يمسها أذى. فما هذا الفرق الكبير بين هذا الجيل وجيل الأمس القريب؟! رحم الله أستاذنا الحبيب مدير الثانوية حينذاك، صالح محمد عفيف، حياً أو ميتاً. كنا ما وجدنا سراجاً والعاً إلا أطفأناه إن لم يكن لنوره حاجة، وما من مروحة تشتغل إلا أرحناها إن لم يكن أحد يستظل تحتها. ولاحظ اليوم تجد المكيفات والمراوح تشتغل على الدوام بينما المدراء والموظفون غائبون!.
جيل لم تسلم منهم حتى ملابسهم تمزيقاً واتساخاً، يذهبون إلى المدرسة مثل الملائكة ويعودون شعثاً غبراً كأنهم جاءوا من الصحراء بعد أن خاضوا معارك مختلفة.
هي حصيلة دراستهم كل يوم، وقد تحول الأبيض من ملابسهم إلى لون آخر.
بعض الشباب يلبسون ثياباً مقطعة جاءت من المصنع هكذا مقطوعة من بعض الأماكن ويسمون ذلك موضة.
بعض الشباب الصغار تجدهم يمشون فرقة فرقة حافية أقدامهم ويسمون ذلك موضة. وما أكثر اليوم الملابس التي يرتديها الأطفال والشباب وقد سودت بالكتابة من مصانعها، كتابات شتى بلغات مختلفة على ظهورهم وصدورهم لا يعرف معانيها لابسوها ولا قارئوها إلا فيما ندر، وبعض تلك الكتابات فيها إساءة للخالق عز وجل وللدين ولمن يرتديها أيضاً.
صارت الكتابة وكأنها زينة محضة للملابس مع أنها كلام يحمل معاني شتى. فوا لوماه!
تقف في المسجد مصلياً وأمامك شاب أو طفل يصلي، فترى الكتابة تغطي ظهره كله كأنه لوح طباشير، فيتدخل الشيطان ويوسوس لك لتقرأ الكتابة ويعمل على مساعدتك في الترجمة حتى يسرق من صلاتك لا سيما حين يطيل الإمام القراءة!
وهكذا لقد صار أطفالنا وشبابنا وحتى بعض كبارنا لوحات إعلانية ودعائية متحركة في كل مكان حين يقبلون وحين يدبرون فوا عيباه!
وحين تضع المدارس أو الكليات أو الأقسام إعلانات تخدم الطلاب سرعان ما تجد هذه الإعلانات مخدوشة أو ممسوحة أو قد تم التعليق عليها أو أنها قد اختفت من مكانها.
أما نتائج الامتحانات إذا ما علقت فإنها لا تبقى في أماكنها سوى سويعات قبل أن تمزقها أيدي الذين رفعت من أجلهم فوا جيلاه!.
صدقوني.. إن الأمر جد خطير!
وأن ثقافة العولمة المدمرة المستهترة الطاغية قد أضحت
تدب فينا دبيب النار في الهشيم، فوا غارتاه!