وكالة بازرعة في مصر.. تحفة معمارية تعتزم القاهرة تحويلها إلى فندق تاريخي
على بعد عشر دقائق من قلب القاهرة، وتحديدا في أحد تقاطعات شارعي الجمالية والمعز لدين الله الفاطمي، تجد نفسك أمام تحفة معمارية تعود إلى العصر العثماني (1517-1867م)، وهي محاطة بخليط من قطع أثرية فريدة تنتمي لعصور عديدة.
"الكيخيا" سابقا، ثم "بازرعة" حاليا، كانت إحدى أشهر الوكالات التجارية في مصر، وهي تقع في منتصف حارة "التمبكشية"، إحدى حارات حي الجمالية في القاهرة القديمة، وتعود إلى القرن السابع عشر، وتحديدا عام 1669، وترغب الحكومة في تحويلها إلى فندق تاريخي لجذب السائحين، والاستفادة اقتصاديا.
وكانت الوكالة معدة لبيع الأخشاب، ثم اشتراها تاجر يمني من حضرموت، يدعى محمد بازرعة، عام 1796، وخصصها لتجارة الحبوب والبن والصابون.
العمارة العثمانية
دخل مراسل الأناضول حارة "التمبشكية"، وتجول بين أزقتها الزاخرة بتراث يعود إلى العصور الفاطمية (909-1173م) والأيوبية (1174-1250م) والعثمانية، ما بين مساجد ومنازل عتيقة ووكالتين تجاريتين ومقاهٍ تأخذ الشكل التاريخي للمنطقة.
بعد حولي 70 م سيرا في إحدى الحارات المتفرعة من شارع المعز التاريخي، يوجد عقار ضخم رقم "25"، يبدأ بباب خشبي صغير مغلق، ويتوسط المبنى باب كبير مفتوح عبارة عن در فتين من الخشب الصلب المتين، مصفح بشرائح من الحديد، ومركب عليه مغلاق خشبي مطعمًا بالعاج، يحيطه نوع من الزخرفة انتشر في العصر العثماني، باستخدام حرف "الميم" بطريقة هندسية.
يفتح الباب الكبير على فناء يتوسط وكالة "بازرعة"، عبارة عن مساحة مستطيلة الشكل، كانت تستخدم لعرض البضاعة وممارسة أعمال البيع والشراء، حيث تفتح عليه الحواصل (أماكن تخزين البضاعة) ذات القباب الحجرية المتجاورة، والبالغ عددها 25 حاصلا، تتوزع علي أضلاع الوكالة.
** تجارة وإعاشة
الوكالة تشغل مساحة إجمالية تقدر بـ1050 مترا مربعا، ولها واجهة واحدة رئيسية علي حارة "التمبكشية" يبلغ طولها 25 مترا وارتفاعها حوالي 14 مترا، وتتكون من ثلاثة طوابق، الأول مخصص للتجارة وتخزين البضاعة ومن ثم عرضها في صحن الوكالة، والثاني مخصص لاجتماعات التجار وعقد الصفقات.
أما الطابق الثالث فهو جناح سكني أعد خصيصا ليكون مقر إعاشة للتجار الوافدين من مختلف الأقطار حتى إتمام صفقاتهم، وتتكون كل وحدة سكنية من قاعة استقبال ومعيشة ودورة مياه ومطبخ صغير.
ويطل الجزء السكني على الصحن عن طريق فتحات نوافذ يغلق على كل فتحة منها إما شباك أو مشربية خشبية (قِطَع خشبية مزيّنة بالنقوش الإسلامية)، وكان رواده يستخدمون الباب الصغير المغلق للصعود والنزول.
وتطل 29 مشربية على الفناء، بالإضافة إلى ثماني مشربيات تطل على حارة "التمبكشية" من الواجهة، ليصبح العدد الكلى لمشربيات الوكالة 37 مشربية.
ويجاور الوكالة مدرسة حكومية اسمها "الحسين"، تم بناؤها حديثا، وكانت في السابق مكانا خاليا لربط إبل التجار والقوافل الواردة للوكالة.
فندق تاريخي
في عام 1996 قرر المجلس الأعلى للآثار في مصر (حكومي) ترميم الوكالة من شروخ أصابت معظم حوائطها، حتى أعيدت إلي صورتها الأولي كتحفة للعمارة الإسلامية في العصر العثماني، ومن ثم افتتاحها مزارا أثريا، في 21 مارس/آذار 2001.
ويمكن للمصريين والأجانب دخول الوكالة عبر رسم بسيط بقيمة خمس جنيهات (أقل من نصف دولار أمريكي) للمصريين، وأربعين جنيها للسائح الأجنبي (2.2 دولار).
محمد عبد العزيز، مدير عام مشروع القاهرة التاريخية، معاون وزير الآثار لشؤون الآثار الإسلامية والقبطية، قال إن الوكالة تقع في منطقة الجمالية التاريخية، التي تتميز بكثير من الآثار الإسلامية الفريدة، ولا يوجد بها سوى فندق سياحي وحيد.
وشدد، في تصريحات صحفية، على أهمية استثمار هذه المنشأة العظيمة، وتحويلها إلى فندق سياحي، مثلما كانت قبل قرون.
وأوضح أن "الوكالات التاريخية تم بناؤها في الأساس لغرضين مهمين، الأول هو التجارة في الطوابق الأرضية، والغرض الثاني هو الإقامة في الطوابق العليا، وما سنقوم به في المستقبل القريب هو بمثابة إعادة إحياء، وتوظيف هذه الوكالة التاريخية العريقة".
وتابع عبد العزيز: "طرحنا مشروع تحويل الوكالة إلى فندق سياحي تاريخي على أحد المكاتب الاستشارية المتخصصة، ويجري حالياً إعداد دراسات شاملة للمشروع الكبير، الذي سيحقق أرباحاً كبيرة للدولة في حال تنفيذه".
مشروع إيجابي بشرط
مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة الآثار المصرية، رأى أن إعادة استثمار أي أثر هو أمر إيجابي جدا، حتى ولو كانت له بعض الآثار السلبية، حيث يمكن تلافيها بالمتابعة الدورية.
وقال شاكر، للأناضول، إن ترميم الأثر وتركه دون استغلاله يجعله عبئا على الدولة، وليس مصدر دخل كما هو في كل دول العالم.
ولفت إلى أن الترميم مكلف جدا، خاصة وأن كافة الخامات تستورد من الخارج، فإذا تم استثمار الأثر بعد ترميمه سيساهم ذلك في زيادة فرص عمل وجذب عملة صعبة (أجنبية)، وبالتالي إمكانية ترميمه حال حدوث أي آثار جانبية.
واعتبر أن "الأفضل هو إعادة الأثر إلى أصله.. الفندق إلى فندق، والوكالة إلى مول تجاري، وهكذا حتى لا يفقد معناه".
ولفت إلى أن "العصر العثماني استمر أكثر من 300 عام في مصر، والاهتمام بآثاره ليس رفاهية ثقافية، بل ضرورة حضارية وسياحية تحتاجها البلاد للخروج من كبوتها الاقتصادية الحالية".
وكانت مصر تحقق إيرادات من السياحة بقيمة 11 مليار دولار، قبل ثورة يناير/ كانون ثانٍ 2011، غير أنها تراجعت، عقب اضطرابات سياسية وأمنية شهدتها البلاد، لتصل إلى 3.4 مليارات دولار في 2016.
مصر العثمانية
ومؤخرًا، أعلنت مصر عن اكتمال ترميم مبانٍ أثريةٍ، واستكمال ترميم أخرى تعود إلى العصر العثماني، كما افتتحت معرضًا، للمرة الأولى، يضم لوحات وصور مخطوطات تُجسد الحياة والوظائف والملابس العثمانية.
وتتركز معظم آثار العصر العثماني في مصر داخل حيز الكتل السكنية وسط القاهرة ومحافظات أخرى، ما يعرضها لحجم تلفيات كبير، يستدعي تكثيف الاهتمام بترميمها، بحسب المصدرين.
وتمثل المساجد الغالبية العظمي من هذه الآثار، ومن أبرزها في القاهرة مساجد "يوسف أغا الحين"، الذي بُني عام 1625، و"سنان باشا" (1571)، و"ميرزا" (1698)، و"سيدي عقبة بن عامر" (1655)، وفي الإسكندرية (شمال) مساجد "عبد الباقي الجوربجي" (1758)، و"إبراهيم تربانة" (1685)، و"الشوربجي" (1758).
وفي أكتوبر /تشرين أول الماضي، أصدرت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بمصر (رسمية) الجزء الثالث من كتاب "الديوان العالي في مصر العثمانية"، وهو يؤرخ وقائع في العهد العثماني لمصر، ويتضمن وثائق باللغة التركية، في اهتمام لافت بالمنتج الثقافي للعصر العثماني بالبلاد. -