اعتصام الكوليرا.. وباءٌ ينهش الأجساد ويصنع الأزمات

الأربعاء 6 مايو 2020 02:53:44
"اعتصام الكوليرا".. وباءٌ ينهش الأجساد ويصنع الأزمات

لم يكتفِ مرض الكوليرا بأن تسبّب في النيل من أجساد ملايين السكان، لكنّه كان عنوانًا لأزمة أخرى تسبّبت فيها المليشيات الحوثية الموالية لإيران.

مصادر محلية كشفت أنّ أعضاء وسائقي فريق الاستجابة السريعة لمكافحة وباء "الكوليرا" في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين نفذوا اعتصامًا مفتوحًا لمطالبة المليشيات بصرف مستحقاتهم المتأخرة منذ سبعة أشهر.

وأضافت المصادر أن عشرات المحتجين نصبوا خيامًا لبدء استقبال كافة أعضاء وسائقي الاستجابة السريعة لمكافحة وباء "الكوليرا" من كافة المحافظات للمبيت داخلها حتى يتم صرف كافة مستحقاتهم.

ورفع المحتجون لافتات عبرت عن استيائهم وسخطهم الشديد لما يتعرضون له من إيقاف مستحقاتهم رغم استمرارهم بالعمل لمدة سبعة أشهر بمختلف المحافظات دون تسليم مستحقاتهم، وطالبوا قيادة المليشيات الحوثية، بصرف مستحقاتهم المتوقفة منذ سبعة أشهر دون أي تأخير حيث وهي مطالب قانونية ومشروعة.

ودعا المحتجون من تبقى من أعضاء وسائقي الاستجابة السريعة لمكافحة وباء "الكوليرا" إلى سرعة التوجه والتحرك والانضمام إلى خيام الاعتصام المفتوحة التي لن تبارح مكانها حتى يتم صرف مستحقاتهم.

ويعتبر مرض الكوليرا أحد الأوبئة الفتاكة التي صنعتها الحرب الحوثية، ضمن خطة المليشيات لتأزيم الوضع الصحي أمام ملايين السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

فقبل أيام، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، تسجيل أكثر من 110 آلاف حالة اشتباه بالكوليرا في اليمن.

وأوضحت ممثلة المنظمة في اليمن سارة نيانتي، إنه جرى تسجيل تلك الحالات منذ يناير 2020 وحتى الآن، وأكدت أنّ الحالات تم تسجيلها في 290 منطقة، كما يمثل الأطفال دون الخامسة نحو 25% منها.

في سياق غير بعيد، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، من تعرض أكثر من خمسة ملايين طفل دون الخامسة، لخطورة الإصابة بوباء الكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وقالت ممثلة يونيسف في اليمن سارة نيانتي، إن الأطفال لا يزالون عرضة لعدد لا يحصى من المخاطر التي تهدد بقائهم على قيد الحياة.

ونوهت إلى أن أبرز تلك المخاطر تتمثل في انتشار الكوليرا على نطاق أوسع، وارتفاع مستويات سوء التغذية، وتفشي الأمراض خاصةً فيروس كورونا المستجد.

ويعتبر مرض الكوليرا أحد الأوبئة التي أجادت المليشيات الحوثية غرس بذورها على مدار سنوات حربها العبثية، كما عملت على منع مكافحة هذا الوباء القاتل.

فللشهر الرابع على التوالي، رفضت مليشيا الحوثي الإرهابية في مطلع أبريل الجاري، صرف مستحقات الكادر الصحي والعاملين في مراكز معالجة الكوليرا في محافظة صنعاء.

وشكا عددٌ من العاملين في مراكز معالجة الكوليرا وزوايا الإرواء، أنّ المليشيات الحوثية رفضت صرف رواتب ومستحقات الكادر الصحي والعاملين في مراكز المعالجة للشهر الرابع على التوالي، وقالوا إن منظمة الصحة العالمية وردت المستحقات المالية لوزارة الصحة والسكان الخاضعة لسيطرة الحوثيين ومكتب الصحة بالأمانة، إلا أن القياديين طه المتوكل وزير الصحة ومطهر المروني مدير عام مكتب الصحة بالأمانة المعينين من قبل المليشيات يرفضون تسليم المستحقات والإيفاء بالتزاماتهما المالية تجاه الكادر الصحي والعاملين في مراكز معالجة الكوليرا وزوايا الارواء ويسعيان لمصادرة ونهب مستحقاتهم.

وناشد العاملون، منظمة الصحة العالمية بالضغط على قيادة المليشيات بوزارة الصحة ومكتبها بالأمانة لتسليم مستحقاتهم.

دفع القطاع الصحي في اليمن أفدح الأثمان مدار سنوات الحرب العبثية التي أشعلتها المليشيات الحوثية منذ صيف 2014، بسبب الجرائم العديدة التي ارتكبها هذا الفصيل الإرهابي الموالي لإيران، ويعتبر مرض الكوليرا هو أحد نتائج الحرب الحوثية، بعدما أنشأت المليشيات بيئة خصبة تقوم على تفشي الكثير من الأوبئة والأمراض التي تفتك بالمدنيين.

وفي وقتٍ سابق من مارس الجاري، قالت منظمة "أوكسفام" الدولية إنّ اليمن يعاني حاليًّا من أزمة كوليرا منسية، وحذّرت من ارتفاع عدد المُصابين بالمرض مع اقتراب موسم الأمطار في أبريل المقبل، بينما أنظمة الرعاية الصحية على وشك الانهيار.

وأضافت أنّ تفشي الوباء في العام الماضي يعتبر الثاني على الإطلاق على الصعيد العالمي، ولا تزال الحالات في تزايد، مشيرةً إلى إعلان ارتفاع معدل الكوليرا في صنعاء وحجة والحديدة وتعز وذمار مُنذ العام 2017.

وأوضحت المنظمة أنّه تمّ تسجيل أكثر من 56 ألف حالة مشتبه بإصابتها في الأسابيع السبعة الأولى من هذا العام، أي ما يعادل تقريبًا عدد الحالات المُسجلة العام الماضي.

وتابعت: "لقد كان عدد حالات الإصابة بالكوليرا في العام 2019 هو ثاني أكبر عدد يتم تسجيله على الإطلاق في بلد ما في عام واحد، لم يتم تسجيل عدد أكبر من ذلك سوى التفشي الذي سبقه في العام 2017، حيث كانت هناك أكثر من مليون حالة".

وأكّدت المنظمة أنّ المُعدلات المُستمرة والثابتة للحالات الجديدة على مدى الأشهر الـ14 الماضية تُظهر أنّ المرض ما زال مُتفشيًّا في اليمن.

من جانبه، صرّح مُحسن صدّيقي مدير مكتب "أوكسفام" في اليمن: "التوقعات قاتمة بالنسبة للناس في اليمن، ما زالت حالات الكوليرا بمستويات مماثلة للعام الماضي، كما أن موسم الأمطار من المُحتمل أن يتسبب في آلاف الإصابات المحتملة".

وأضاف: "هذه أزمة صحية مُختبئة على مرأى ومسمع الجميع، إنه لأمر مروّع أن تحظى هذه الأزمة المستمرة بهذا القدر القليل من الاهتمام".

وتابع: "نحن بحاجة إلى تحرك عاجل من قبل المجتمع الدولي لضمان الوصول الآمن الذي لا تشوبه أي عوائق للمساعدات الإنسانية، وكذلك لجمع كافة الأطراف معاً من أجل الاتفاق على وقف لإطلاق النار على المستوى الوطني".

وأشار إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن الكوليرا انخفض في العام 2019 إلى 1,025، أي أقل من نصف عدد الوفيات في العام 2017، وأن الجهود المبذولة للتغلب نهائيا على المرض قد تقوضت بشكل كبير بسبب الحرب.

والكوليرا عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوّثة بضمات بكتيريا الكوليرا، وهي ما زالت تشكل تهديدًا عالمًّا للصحة العمومية ومؤشرًا على انعدام المساواة وانعدام التنمية الاجتماعية.

وتشير تقديرات الباحثين إلى وقوع عدد يتراوح تقريبًا بين 1,3 مليون و4 ملايين حالة إصابة بالكوليرا سنويًّا وإلى تسبب الكوليرا في وفيات يتراوح عددها بين 000 21 و000 143 وفاة بأنحاء العالم أجمع.

الكوليرا مرض شديد الفوعة إلى أقصى حد، ويمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، وهو يستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياه ملوثة2. وتؤثر الكوليرا على كل من الأطفال والبالغين وبمقدورها أن تودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم تُعالج.

ولا تظهر أعراض الإصابة بعدوى ضمات بكتيريا الكوليرا على معظم المصابين بها، رغم وجود البكتريا في برازهم لمدة تتراوح بين يوم واحد و10 أيام عقب الإصابة بعدواها، وبهذا تُطلق عائدة إلى البيئة ويمكن أن تصيب بعدواها أشخاصًا آخرين.

ومعظم الذين يُصابون بعدوى المرض يبدون أعراضًا تتراوح بين الخفيفة أو المعتدلة، بينما تُصاب الغالبية بإسهال مائي حاد مصحوب بجفاف شديد، ويمكن أن يتسبب ذلك في الوفاة إذا تُرك من دون علاج.

والكوليرا هو أحد الأمراض التي تسبَّبت فيها الحرب الحوثية القائمة منذ صيف 2014، بعدما أهملت المليشيات القطاع الصحي بشكل كامل، على مدار سنوات حربها العبثية، وتسبَّبت في تفشي الكثير من الأمراض التي راح ضحيتها كثيرٌ من السكان.

وتعمَّدت المليشيات الحوثية قطع جميع الخدمات الصحية سواء الخدمات الأساسية أو الثانوية، مكتفية بنهب مقدرات الدولة ومواردها وتسخيرها لخدمة المجهود الحربي وزيادة أرصدة الجماعة وقياداتها.

وهيمنت المليشيات الحوثية على القطاع الطبي عن طريق تهميش وفصل الكوادر والموظفين ممن لا يؤمنون بأفكارها الخمينية وتعيين أتباعها من محافظة صعدة حيث معقلها الرئيسي لتتفرغ بعدها لنهب ممتلكات المواطنين والتجار وفرض الإتاوات والضرائب وإقفال مشاريعهم وشركاتهم في حالة عدم التبرع للمجهود الحربي ورفد الجبهات.