فحص اللعاب للكشف عن كورونا.. أقلهم آلماً
أظهرت دراسات حديثة عن فحوصاً غير مؤلمة للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد عبر أخذ عينات من اللعاب لا تقل فاعلية في رصد العدوى لدى المصابين ممن لا يشكون أعراضاً، بالمقارنة مع الاختبار المعتاد الذي يتطلب إدخال مسحة عميقة في الأنف أو البلعوم، وفق دراسة صدرت حديثاً.
واقترح بعض العلماء تنفيذ برامج اختبارات جماعية لتحديد المصابين الفيروس، من قبيل ما سمي "عملية مونشوت" operation moonshot [حرفياً "عملية بمستوى القمر" في إشارة إلى طموحها الكبير] التي أطلقها بوريس جونسون رئيس وزراء المملكة المتحدة. وكذلك اعتبر هؤلاء أن تلك البرامج تشكل وسيلة لتيسير العودة إلى بعض السلوكيات التي كانت سائدة قبل الجائحة، بينما العمل جار على خفض تفشي العدوى بشكل كبير.
في المقابل، يعتمد اختبار المسحة الحالي على تقنية "تفاعل البوليميراز المتسلسل" (المعروف اختصاراً بـ"بي سي آر" PCR، ويرصد مكونات جينية في الفيروس). وقد بات مستخدماً في معظم بلدان العالم، لكنه يتطلب وفرة في الأيدي العاملة والموارد بغية تنفيذه بطريقة مجدية، وغالباً ما يوصف استعماله بأنه مزعج، إضافة إلى أن المدة الفاصلة بين إنجاز الفحص والحصول على نتيجته تبطل فاعليته كتصريح مرور شبه فوري يسمح بدخول الأماكن المكتظة بالناس، ومقرات العمل، ومرافق التعليم.
في المقابل، أخضع اختبار اللعاب لدراسات من جانب باحثين في "جامعة هوكايدو" الوطنية في اليابان، فأعطى النتائج في غضون 30 دقيقة، ولا يحتاج إجراؤه إلى عاملين في مجال الرعاية الصحية، ولا يتطلب تحليل العينات أيضاً موظفين تلقوا تدريباً علمياً.
تذكيراً، وجدت دراسات سابقة أجريت على مرضى "كوفيد- 19" يعانون أعراضاً، أن اختبارات اللعاب المعروفة باسم فحوص "إر تي- لامب"RT-LAMP ، أقل دقة بالمقارنةً مع مسحات الـ"بي سي آر". وفي المقابل، بحثت الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة "كلينيكال إنفكشيوس ديزيزيز" Clinical Infectious Diseases (الأمراض المعدية السريرية) في مدى دقة فحوص اللعاب بالنسبة إلى رصد العدوى المبكرة الخالية من الأعراض، وخلصت إلى نتائج شديدة الاختلاف عن البحوث المشار إليها آنفاً.
في الدراسة الحديثة، أجرى العلماء اختبارات على عينات من المسحات وفحوص اللعاب على حد سواء وعقدوا مقارنات بينها، مع الإشارة إلى أنها أخذت من زهاء ألفي شخص في اليابان لم تظهر عليهم أعراض "كوفيد- 19".
وقد تبين أن معدل النتائج الموجبة (تأكيد الإصابة) غير الصحيحة لاختبار اللعاب مشابه جداً لمعدلاتها في اختبار الـ"بي سي آر" المعتاد. إذ حدث اكتشاف العدوى بشكل صائب لدى مشاركين يحملون الفيروس، بـ83 إلى 97 في المئة عند استخدام فحص اللعاب، في مقابل 77 إلى 93 في المئة بالنسبة إلى المسحات.
واستطراداً، استطاع الاختباران كلاهما تحديد الأشخاص غير المصابين في ما يزيد على 99.9 في المئة من الأشخاص المشاركين. وكذلك تشابهت نتائج التقنيتين في رصد كمية الفيروس في الجسم، أو ما يسمى "الأحمال الفيروسية".
في ذلك الصدد، ذكر تاكانوري تيشيما، وهو الباحث الرئيس في الدراسة، أن "اختبار اللعاب يتمتع بمزايا لوجستية كبيرة بالمقارنة مع اختبارات المسحات البلعومية الأنفية الشائعة الاستخدام".
وأردف، "أن التجميع الذاتي للعاب لا يسبب ألماً للأشخاص الذين يخضعون للفحوص، والأهم من ذلك أنه لا يستلزم الاحتكاك الوثيق بمن يجرون الفحوصات، مما يقلص خطر التعرض للفيروس".
وفق البروفيسور تاكانوري، تؤشر نتائج الدراسة إلى أن اختبارات اللعاب قد تكون "بديلاً مجدياً" لاختبارات الـ"بي سي آر"، "خصوصاً عندما يكون التشخيص مطلوباً في مكان جمع العينات، وفق ما تكونه الحال في ملاعب الرياضة أو المطارات".
وفي مقلب مغاير، يشير الباحثون إلى قصور يشوب الدراسة موضحين أنهم لم يتابعوها مع نتائج سريرية.
وعلى الرغم من ذلك، يفيد أولئك الباحثون أنفسهم بأن نتائج البحث تعطي مؤشراً جيداً على أن الفحوص الجماعية التي تستخدم اللعاب المجموع ذاتياً واختبار "إر تي- لامب" السريع، تقدم نتائج سهلة ولا تتطلب إدخال مسحة (في الأنف أو الحلق) وهي سريعة ودقيقة نسبياً، مع وجود حد أدنى لخطر انتقال الفيروس إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية.
وبينما قوبلت فكرة الاختبارات الجماعية بشكوك في بعض الأوساط، أشار البروفيسور تاكانوري إلى أن "الرصد السريع للأفراد المصابين بفيروس كورونا من دون أعراض، سيكون أمراً بالغ الأهمية لمنع تفشي "كوفيد- 19" في دواخل المجتمعات والمستشفيات".
في المملكة المتحدة، خضعت اختبارات "إر تي- لامب" ضمن فحوص أخرى، في مطار "هيثرو" غرب لندن، وذلك في محاولة لإطلاق الطائرات في رحلاتها مجدداً، وتتولى الحكومة البريطانية مراجعة نتائج تلك الاختبارات.
وفي اليابان، نالت اختبارات اللعاب الموافقة للاستخدام فعلياً في المطارات اليابانية، وبهدف خفض انتقال العدوى في المستشفيات، بينما ناقش المسؤولون إمكانية اللجوء إليها في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية المقررة في العاصمة طوكيو، كجزء من نظام الاختبارات الجماعية.
من ناحية أخرى، في الولايات المتحدة الأميركية، يتصدر استخدام اختبارات الـ"بي سي آر" التي تعتمد على عينات من اللعاب العناوين الرئيسة للأخبار في الجهود المبذولة في الاختبارات الجماعية في "جامعة إلينوي"، التي تنفذ حتى 20 ألف فحص يومياً، في محاولة منها للحفاظ على الحياة الطبيعية في الحرم الجامعي.