مهمة غريفيث مع أدعياء الحق المطلق !!
الشرفي
المزيدرغم إيقان مختطفي الشرعية بأنهم أصبحوا عالة عليها، بل صاروا ينذرون بزوال الشرعية واجتثاثها لتصبح أثراً بعد عين، لكنهم بقوا صماً وعمياناً يؤثرون أنفسهم عمن سواهم، بعد أن أعماهم حب الكرسي حتى غدا شعارهم أنا ومن بعدي الطوفان.
جن جنونهم حين طلبت منهم دول التحالف فتح آفاق شراكة حقيقية مع الجنوبيين، وذلك بمنح الجنوبيين صلاحيات كاملة لإدارة المحافظات المحررة، فكان لسان حالهم كيف نترك الجنوب وهي الإوزة التي تبيض ذهباً ؟
فلا هم أحسنوا إدارة الجنوب المحرر، ولا هم حرروا الشمال الواقع تحت سيطرة الإنقلابيين الحوثيين.
وبدلاً من ذلك، جعلوا من تسلطهم على القرار المركزي والمال العام والإعلام الرسمي، سياطاً لضرب الأمن والإستقرار في الجنوب المحرر، ونشر الفوضى وشراء الولاءات، وخلق الفتن وإذكاء الصراعات المناطقية، وتعطيل جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة.
بل وصل بهم الحال إلى دعم أعمال العنف والوقوف خلف عمليات الاغتيالات والتخريب وقطع الطريق، وذلك ما تؤكده الكثير من الأحداث ليس آخرها ما أثبتته حادثة القبض على الجنود التابعين لأحد الألوية التابعة لمحسن في شبوه، واتضح أن اللواء هو من يقف وراء عمليات التقطع والقتل والسلب والنهب للمسافرين، والتي راح ضحيتها عشرات المسافرين، وشواهد أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
وأمام ذلك التعنت والغرور والغطرسة التي يمارسهما مختطفي للشرعية، فقد وصلت جميع الأطراف ذات الصلة في الداخل والخارج إلى قناعة تامة بـ "أن الشرعية أصبحت جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل."
ونظراً لأهمية استمرار الرئيس هادي بشخصه باعتباره صاحب الشرعية، فإن ما حوله يجب أن يشملهم التغيير، بحيث يعاد هندسة نظام الحكم وشكل الدولة في اليمن بشكل كامل. وإن أصر الرئيس هادي على الوقوف في وجه التغيير فقد يجرفه الطوفان، لأن من يتمسك بهم عبارة عن جماعات راديكالية مؤدلجة جُبلت على إدعاء الحق المطلق الذي يجب أن لا يناله سواهم، ويزعمون بأن قتل من ينازعهم ذلك الحق هو خدمة لإعلاء دين الله ودفاعاً عن أولياءه الذين اختارهم لخلافته في أرضه. فبئس ما يزعمون.
لم يكن هناك من بدٍ أمام التحالف والمجتمع الدولي وشركائهم في الجنوب والشمال على حدٍ سواء، إلا أن يتعاونوا لإنقاذ البلاد من انهيار أصبح محتم فيما لو استمرت الحكومة الحالية متربعة على عرش الحكم.
إن ما تحقق من مكتسبات وانتصارات على الانقلاب الحوثي، تستدعي تعاون الداخل والخارج للحفاظ عليها، على طريق تحرير ما تبقى من الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثي.
لقد أثبت أبناء الجنوب من خلال المقاومة الجنوبية والوحدات الأمنية والعسكرية بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، ممثل شعب الجنوب المفوض والحامل السياسي لقضيته الوطنية، بأنهم خير شريك للتحالف في كبح جماح المد الصفوي الإيراني، كما أثبتوا أيضاً بأنهم الشريك المحلي المؤتمن للإقليم والعالم في محاربة الإرهاب واستئصال شأفته، وشواهد ذلك كثيرة لا داعي لتعديدها لأن الجميع يدركها في الداخل والخارج.
أمام ذلك، فقد أصبح الجنوب يمتلك قيادة سياسية وقوة عسكرية وكفاءات إدارية تؤهله لإدارة الجنوب، وأصبح العالم على قناعة تامة بأن لا مناص من تمكين الجنوبيين من إدارة أرضهم.
وفي حين لا تزال ميليشيات الجماعات الأيديولوجية - الإصلاح والحوثي - هي المتسيدة على المشهد السياسي والعسكري شمالاً، فإن ذلك قد نحا بالتحالف لإيجاد قوة ثالثة عبر إعادة إحياء شبكة صالح العسكرية والسياسية، والتي هي وعلى الرغم من مساوئها إلا إنها شرٌ لا بد منه، لعل ذلك يجدي نفعاً لإحداث تغيير إلى حدٍ ما في منظومة الحكم بالشمال.
إن إحياء منظومة صالح لتمكينها من استعادة دورها لتصبح قوة مؤثرة شمالاً سيأخذ الكثير من الوقت، نظراً لتمكن الحوثي من جهة والإصلاح من جهة أخرى من خلخلتها وتفكيكها خلال الفترة منذ ازاحة صالح عن الحكم عام 2011 وحتى مقتله مجرداً من كل أدوات قوته.
وإلى أن يحين ذلك الوقت، سيبقى الشمال في حالة صراع وشتات يصعب التكهن بمآلاته، نظراً لما يكتنزه الواقع الشمالي من ديناميات متعددة المستويات والأبعاد والأطراف، إذ يأخذ الصراع ثلاثة مستويات محلية وإقليمية ودولية، ويرتبط بأبعاد طائفية وسياسية وجهوية وعشائرية واقتصادية، وتتنازعه أطراف عدة ذات علاقة بالمستويات والأبعاد آنفة الذكر.
وبما إن الصراع بالشمالية سيطول أمده، فقد أصبح الجنوب المحرر بحاجة إلى عملية جراحية تضمن عزله عن ساحة الصراع الشمالي، وذلك بتمكين أهله من حكمه، حتى لا يغرقه فرقاء الشمال بصراعاتهم الدموية أو يتخذون من أراضيه منطلق لتهديد الأمن والسلم الدوليين عبر استهداف الملاحة البحرية في ممر باب المندب، وذلك نظراً لأهمية الجنوب الجيوسياسية وموقعه الاستراتيجي على اعتبار أن أمن الجنوب واستقراره مسؤولية دولية.
فيا ترى هل يعي أدعياء الحق المطلق ذلك الأمر، ويلتقطون حبل النجاة الذي رُمي لهم عبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2018) 2402 ) ومبعوث الأمين العام الجديد الذي وصف بأنه يمتلك حظوظاً أوفر من سلفيه بن عمر وولد الشيخ أحمد.
هل سيذعنون لنداءات المجتمع الإقليمي والدولي، ويجنحوا للسلم ويحتكمون لصوت العقل أم أنهم سيمضون في غيهم لإغراق البلاد بسيول الدماء مؤثرين الإستثمار في الأزمات، لبناء مراكزهم المالية الخاصة على حساب معاناة الشعب الذي يعاني من كالمجاعة والفقر والأوبئة وانهيار العملة وتفشي ظاهرتي الفساد والسوق السوداء، علاوة على استفحال ظاهرة القتل والتصفيات السياسية ؟
نترك الإجابة لدول التحالف والمبعوث الأممي الجديد السيد مارتن غريفيث، لعله يحمل في يده عصى غليظة، يعزز بها عصاتَي بن سلمان وبن زايد، بما يفضي لإقناع أو لإذعان الأطراف المحلية ودفعهم للتسليم بسذاجة "إدعاء الحق المطلق". !!