فنان سوري يدمج الحروف بالتشكيل محتفيا بهنّ وشموخهنّ
تجريد دلالي
أشارت مؤسسة ومديرة برنامج سليم الحص للأخلاقيات الإحيائية والاحتراف، الدكتورة تاليا العراوي، في تقديمها لمعرض “هي” لفادي العويد، إلى أن الفنان السوري “هو فنان جمع الثقافة بالفن الرفيع والحس الإنساني المرهف.. على هذا الأساس بشكل عام تمّ انتقاؤه”.
ثلاثة أوصاف تكاد تختصر أعمال الفنان المعروضة حاليا في العاصمة اللبنانية بيروت، والتي اشتغل عليها العويد لفترة تفوق السنة مُستندا إلى عواطفه تجاه شخصيات نسائية من كل العصور، أغلبها عربية، وإلى بحثه في تاريخ تلك الشخصيات بغية محاولة اختصارها بلوحة واحدة، وإلى قدرته على الدمج ما بين الحروف العربية والتصوير التشكيلي الذي أراده أن يُعرّف الناظر إلى لوحاته على مضمونها.
وعلّق الفنان على جانب كل لوحة بكلمات قليلة، لكنها مؤثرة عمّا تعني له لوحة دون أخرى من غير أن ينحى في ذلك إلى شرح أو تبسيط للفكرة المعروضة التي ترك آفاق قراءتها مفتوحة أمام المُشاهد.
وبعض العناوين الفرعية التي وضعها فادي العويد للوحات قد لا يصل إليها زائر معرضه مباشرة، ولكنها من دون شك تشكل صدى شعريا عميقا يؤكد على حضور فنان اشتغل على وتر مشاعره حتى اكتملت اللوحة ومعها كلماتها المُرافقة.
ونذكر من تلك اللوحات لوحة لعهد التميمي، وإلى جانبها هذه الكلمات “عهد التميمي.. أتعبت الرجال من بعدك يا صبية، وفي رأسك ألف قضية وقضية”، ولوحة “ملكة تدمر” ولوحة “زرقاء اليمامة” كتب إلى جانبها الفنان على قصاصة من ورق هذه الكلمات “وها أنت يا زرقاء وحيدة، عمياء..”.
وفي المعرض لوحة عن المطربة فيروز، ولوحة للأديبة اللبنانية مي زيادة وبقربها كتب الفنان “محبة بريدية”، ولوحة للعالمة ماري كوري، و لوحة للفنانة مارلين مونرو التي أرفقها الفنان بهذه الكلمات “أرقص حبا وأنبض ألما”.
ولوحة مارلين مونرو ليست اللوحة الوحيدة التي تقدّم النزعة المأساوية على طبق مُطعم بماء الفضة ومُشظّى بتكسّرات اللون الأبيض، إنه مسار فني اعتمده العويد لكي يحافظ على توازن ما بين الأماني المطلقة والأحلام غير المستحيلة، وما بين الفرح العميق وتوتر حزن مُشاغب لا يريد أن يرتاح ولا أن يريح صاحبه.
ولعل مجموعة اللوحات التي تشير إلى تلك الإزدواجية من ناحية وإلى اختلاف مستويات التعبير الذي برع فادي العويد في بنائه من ناحية أخرى، هي اللوحات الحروفية شبه البحتة، وتلك المستوحاة من الأدب العالمي التي فيها شطحات صوفية استملك فيها بهاء الخط العربي آفاق اللوحة، مثل تلك التي وضع إلى جانبها الفنان هذه الكلمات “سيفتح الله بابا كنت تحسبه من شدة اليأس لم يخلق بمفتاح/ يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف ثم انتهى ثم استحى ثم اعترف/ ابشر في قول الله في آياته إن يتنهوا يغفر لهم ما قد سلف”.
وفي قلب تلك اللوحات يكمن الفرح إلى جانب الغصة، وفي ذكرى الأحبة تتراقص الذاكرة على حوافي براكين تضج بغبارها، كما في لوحة تحمل عنوان “الغوطة”، حيث تُزبد أرواح الأطفال البيضاء صعودا إلى سخام ليس هو إلاّ فضاءها الوحيد، إذ يخنق الصمت أهوال الجرائم المُتراكمة.
ويضيف الفنان فادي العويد إلى جانب هذه اللوحة كلمات لجنان منيمنة، تقول “في غوطة الشام تبعثرت أحرفي/ وتطايرت تبكي بحرقة وتلهف/ ثم ارتقت كأرواح سمت/ ما بين دمع ينهمر ودمع يختفي”.
وفي المعرض أيضا لوحة رائعة مستوحاة من رواية “بائعة الكبريت” لهانس كريستيان أندرسن يبدو فيها الجدار خلف الفتاة، وكأنه يتقشّر عن جروح عتيقة طعمها بطعم العسل الحرّ، وضع الفنان إلى جانب اللوحة هذه الكلمات “تركوك يا صغيرة جائعة كسيرة حافية للبرد أسيرة”.
وربما يمكن اعتبار نجمة المعرض على الإطلاق لوحة مستوحاة من “ألف ليلة وليلة”، حيث الديك/ شهريار يتوسّط اللوحة وقد فاجأ الفجر عنجهيته فارتدّ عنقه إلى الخلف في التفاتة رشيقة، لوحة يبدع الفنان في تركيبها وفي توظيف الألوان بطريقة غير تقليدية، وفي رص كلام شهرزاد في شكل عمود دخاني أبيض صعد من خلف الديك قاسما “لوحته” أو مملكته إلى جزأين اثنين دخل إليهما الفراغ في ثوان حيث يكاد مُشاهد اللوحة أن يستشعرها وهي تفصل الامتلاء عن الفراغ، والكلام عن الصمت، والوحدة عن المؤانسة.
ناقدة لبنانية