إقالة وزير خارجية السودان.. جدل حول الأسباب والدواعي
أثار قرار الرئيس السوداني عمر البشير القاضي بإقالة وزير الخارجية إبراهيم غندور من منصبه ردود فعل واسعة لدى الأوساط السودانية؛ لكونه أتى في ظروف محلية وإقليمية بالغة التعقيد وفق توصيف محللين.
إقالة غندور التي لم تعلن أسبابها من الجانب الرسمي خلفت جدلا واسعا لدى المهتمين بالشأن السوداني، ورجح البعض أنها كانت نتيجة لحديثه أمام البرلمان والذي نعى فيه حال الدبلوماسية السودانية بإعلانه عجز الحكومة عن صرف رواتب الدبلوماسيين ودفع إيجار المقار لسبعة أشهر متتالية.
ولكن هناك محللون تحدثوا لـ"العين الإخبارية" يرون أن مجاهرة وزير خارجية السودان بأوضاع منسوبي وزارته لم يعد سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، وباعتقادهم فإن الإقالة جاءت نتيجة تراكمات خفية بدأت ملامحها تظهر عقب الاستقالة التي تقدم بها غندور في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتولى إبراهيم غندور حقيبة وزارة الخارجية قبل عامين وشهدت فترته تقدما في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أدى إلى رفع عقوبات واشنطن جزئيا عن الخرطوم، إلى جانب انفتاح مع دول الخليج العربي.
ويقول الأستاذ بأكاديمية الدراسات الدبلوماسية السودانية عبدالرحمن أبوخريس: إن إقالة وزير الخارجية إبراهيم غندور لا يمكن قراءتها بمعزل عن الاستقالة التي تقدم بها في يناير/كانون الثاني الماضي؛ احتجاجا على التقاطعات في ملف العلاقات الخارجية، حيث مهدت وبشكل كبير للقرار الصادر عن الرئيس البشير.
وكانت تقارير صحفية قد عزت استقالة وزير الخارجية إلى تغوّل الرئاسة السودانية على كثير من اختصاصات وزارته بجانب إعطاء ملفات دول البريكس وتركيا والصين إلى لجنة بالقصر يرأسها وزير النفط الأسبق عوض أحمد الجاز.
وقال غندور أمام البرلمان يوم الأربعاء ردا على تساؤلات نواب الشعب بشأن نزوح بعض الملفات عن وزارته: "إن وزارة الخارجية تمارس صلاحياتها الدستورية بشكل كامل، ولكن هناك تقاطعات في العمل الخارجي". وهو ما يعزز وجود خلاف مكتوم بين الوزير ومؤسسات أخرى.
ولكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. أسامة بابكر يعتقد أن ما فعله غندور بالبرلمان يعد سببا كافيا لإبعاده عن رأس الدبلوماسية السودانية؛ لأن نهجه جانبته الحصافة وذكاؤه المعهود.
وشدد بابكر لـ"العين الإخبارية" على أن وزير الخارجية المُقال بكشفه حال الدبلوماسية السودانية يعطي الفرصة لدوائر استخباراتية معادية لاستغلال أفراد البعثات الدبلوماسية.
وقال: "السودان بكل تأكيد فقد رجلا متميزا وقويا وحقق نجاحات غير مسبوقة أبرزها تخفيف الحصار الأمريكي على الخرطوم، ولكن غطلة الشاطر بألف".
وأضاف: "قد تكون هناك أسباب أخرى للإقالة، ولكن فضحه لحال الدبلوماسية يعد الأبرز".
وسبق قرار إقالة وزير الخارجية سيل من الانقادات اللاذعة ساقها منسوبون للسلطة الحاكمة لغندور ربما قُصد بها التمهيد لعملية الإعفاء التي تمت مساء أمس الخميس.
وتناولت وسائل إعلام محلية تعليقا مكتوبا منسوبا إلى وزير رئاسة الجمهورية ومدير مكاتب الرئيس السوداني، حاتم حسن بخيت ينتقد فيه بشدة حديث غندور، ووصفه بغير الدبلوماسي، ويكشف ظهر الدولة لأعداء الوطن، قبل أن يطالب بإقالة وزير الخارجية حتى يعتبر زملاؤه الآخرون.
وتبع ذلك، عمليات نقد مماثلة تبارى فيها صحفيون مقربون من السلطة لوزير الخارجية إزاء كشفه حال الدبلوماسية للرأي العام المحلي والعالمي، ليصدر بعدها قرار الإقالة المفاجئ الذي اتخذه الرئيس البشير وما خلّفه من جدل.