تحشيد المرتزقة إلى ليبيا.. تركيا تزرع المفخخات في طريق السلام
يواصل النظام التركي سياساته العدائية في ليبيا محاولا تغذية نفوذه على الأرض، مرفوعًا على جسر تنظيم الإخوان الإرهابي، في وقتٍ جددت فيه السلطات الليبية دعوتها للأمم المتحدة للتصدي لمخططات أنقرة.
الناطق باسم القوات المسلحة الليبية اللواء أحمد المسماري كشف مزيدًا من الخطط التوسعية التركية، إذ قال إن أنقرة تعمل على نقل عسكريين من أذربيجان إلى ليبيا، في خطوة تضاف إلى سلسلة من الخطوات التي أقدمت عليها تركيا في هذا الإطار وتتناقض مع عديد الدعوات الدولية التي حثّت على ضرورة وقف تحشيد المرتزقة إلى ليبيا.
وقال المسماري في مقابلة مع فضائية "سكاي نيوز عربية"، إن أنقرة تتعامل مع غرب ليبيا كمستعمرة، وأنها تواصل تعزيز الوجود التركي في غرب البلاد.
إقدام تركيا على تحشيد المزيد من العناصر المرتزقة أمر يعبر عن مساعي أنقرة نحو تأزيم الأوضاع بشكل أكبر، بما يُجهض أي توافقات تغذي مسار الحل السياسي، لا سيما إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي يُفترض أن تتم في ديسمبر المقبل.
الكشف عن التمادي التركي في تعزيز الحضور العسكري جاء أيضًا في خضم الاستعداد لعقد مؤتمر في العاصمة الألمانية برلين، غدًا الأربعاء، بهدف ضمان إجراء الانتخابات، وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة.
ومؤتمر "برلين 2"، يعقب مؤتمرًا آخر أقيم في المدينة ذاتها، في يناير الماضي، وقد تم الاتفاق على وقف الحرب، دون أن يُحدِث ذلك تأثيرًا فاعلًا على الأرض بفعل التصعيد المتواصل من قِبل النظام التركي.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الألمانية إن مؤتمر الغد سيناقش مسار العملية الانتقالية الليبية منذ مؤتمر يناير، والمراحل المقبلة لفرض استقرار دائم للوضع، لا سيّما خطوة إجراء الانتخابات التي وعدت الحكومة الانتقالية بإجرائها.
وفيما يؤكد محللون أن مؤتمر برلين 2 قد يحرز تقدمًا يدفع نحو تنظيم انتخابات ديسمبر، وأن يتم إعلان الأسس القانونية للاقتراع في شهر يوليو، إلا أن التحركات العسكرية التركية يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًّا في إفشال أي مسار سياسي مقبل.
يرتبط هذا "الفشل" المتوقع بأنه لا يمكن إتمام عملية سياسية في ظل انتشار العناصر المرتزقة على الأرض، والذين قدرتهم الأمم المتحدة في وقت سابق بأن عددهم يصل إلى 20 ألف مرتزق، يحملون جنسيات مختلفة، هذا فضلًا عن انتشار مئات العسكريين الأتراك الذي حطوا إلى تركيا بموجب اتفاق مع حكومة الوفاق السابقة.
وفيما توالت الدعوات طوال الفترة الماضية، لا سيّما من قِبل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقين بضرورة سحب القوات الأجنبية من ليبيا، إلا أن تركيا تريد على ما يبدو إيصال رسالة واضحة بأنها عازمة على الاستمرار في التواجد العسكري على الأرض.
وبعثت تركيا بهذه الرسالة بشكل أكثر وضوحًا، قبل أقل من أسبوعين عندما أجرى وفد تركي قاده وزير الدفاع خلوصي أكار زيارة إلى ليبيا دون أي تنسيق مع السلطات، وهو ما فسر على أنه انتهاك صارخ للسيادة الليبية.
ولعل ما برهن على خبث النوايا التركية في هذه الزيارة، التي أثارت سخطًا ليبيًّا عارمًا، أن طائرة الوفد التركي التي حطت في معيتيقة لم تكن سلطات المطار على علم بوصولها، وأن الجنود الأتراك هم فقط من كانوا على علم بالزيارة، بالإضافة إلى أنه طُلب من الحراس الليبيين عدم التواجد بمكان هبوط الطائرة في القاعدة العسكرية.
زيارة الوفد التركي غير المعلنة، أثارت غضبًا ليبيًّا على كافة الأصعدة، وقد وصف متحدث الجيش الوطني ما حدث بأنه انتهاك لسيادة بلاده، ودعا المجتمع الدولي لمواجهة مثل هذه الانتهاكات.
الانتهاكات التي تمارسها تركيا في ليبيا، بالتزامن مع جهود دولية ودعوات أممية، تحاول بناء أرضية من الهدوء تحقيقًا للاستقرار الشامل، يعبر عن مدى مساعي أنقرة لتحقيق أجندتها الضيقة من وراء تدخلها اللا محدود في ليبيا.
وتمثلت النقطة الفاصلة في المساعي التمددية التركية في ليبيا، في توقيع حكومة الوفاق الماضية التي قادها فايز السراج مذكرتي تفاهم لتحديد الحقوق البحرية والتعاون الأمني والعسكري بينهما في نوفمبر 2019، إذ سرعان ما تحوَّل الأمر إلى تدخل مباشر ومُعلن ونوعي.
ومنذ ذلك الحين، ضاعفت تركيا من حضورها العسكري ودفعت بأعداد كبيرة من المرتزقة وزودتهم بمنظومات تسليح نوعية، مع نشر مستشارين عسكريين أتراك.
ولتركيا الكثير من الأهداف التي تسعى لتحقيقها من خلال هذه التدخلات، أبزرها محاولة السيطرة على حقول النفط وارتباط ليبيا عضويا وسياسيا بملف الصراع على تحديد مناطق النفوذ الاقتصادية في شرق المتوسط.
ولتحقيق ذلك الغرض، لجأت تركيا قبل ذلك إلى حل ابتدعته من خلال توقيع مذكرة التفاهم مع حكومة طرابلس حول تحديد الحقوق البحرية مع ليبيا، وبذلك أصبحت ليبيا جزءا ضامنا للأمن القومي التركي ومصالحها في شرق المتوسط.
ولأن استمرار حكومة الوفاق في الحكم كان أمرًا استراتيجيًّا لتركيا من أجل المحافظة على اتفاقية تحديد الحقوق البحرية لمواجهة مخططات دول شرق المتوسط، فإن إزاحة هذه الحكومة قاد إلى زيادة وتيرة التدخل العسكري عبر تحشيد المرتزقة.