هويتنا بين الحقيقة والأسطورة

في تعليق لي عن دور الإمارات في الجنوب العربي والذي يصفه البعض بالاحتلال تساءلت ، أن صح ذلك :

هل المطلوب من شعب الجنوب الذي يحتله اليمن أن يثأر من احتلال الامارات لتثبيت الاحتلال اليمني ؟

تنوعت التعليقات ، ويهمني تفنيد مايتعلق منها بهوية الجنوب العربي وأنه ليس من الهوية السياسية والوطنية لليمن السياسي الحالي .

فهوية الدولة الوطنية من القضايا الحديثة .

كانت كل الدول العربية تعيش ضمن امبراطورية اسلامية جامعة وهويتها الدينية اكثر حضورا في الوعي المجتمعي إلى نهاية الحرب الأولى ورغم شمولية هذه الامبراطورية فقد كانت الهويات الوطنية موجودة فيها وان بشكل غير واضح المعالم والقسمات ، وإذا ما تحركت تعاملوا معها اما بالقمع في المواطن المؤثرة على الامبراطورية أو بالاهمال وتحريك قوى محلية لمواجهتها في الأماكن التي لاتؤثر عليها أو بالتصالح معها ببقاء الخطبة باسم الخليفة أو السلطان.

الهوية في بدايتها كانت اشبه بنسب عائلي /قبلي ، ثم تكتلات قبلية القحطانية / النزارية أو جهوية يمنية /شامية /نجدية ..او القبطية أو السوريانية الخ فهل من بقية حية لتلك المسميات التي أصبحت جزء من التاريخ الحقيقي أو الأسطوري!! ثم تطورت إلى هوية دينية ، وافرزت الخلافات السياسية فيها هويات مذهبية فاسماعيلية اليمن تجمعهم مع اسماعيلية الهند هوية أكثر مما تجمعهم بمن يختلفون عنهم مذهبيا في اليمن !! وكذا اباضية عمان مع اباضية المغرب ..وهكذا لكن الأغلب الأعم أن الهوية الدينية كانت هي السائدة حتى هزيمة الامبراطورية العثمانية، التي كان لهزيمتها واندثارها وقع مؤلم صاعق سجلته الاشعار سواء الفصيحة أو الشعبية حينها

ظهرت حديثا الدولة الوطنية التي ارتبطت الهوية الوطنية بها

وما صار من تغيير هوية في الجنوب العربي ليس ببساطة ان تجربة الاشتراكي فيه كذبت أو لم تكذب في يمننته ، اخطأت أو لم تخطيء ، فالتوصيف أن تيارا سياسيا عقائديا عروبيا في الجنوب العربي ، كالحوثي عقائدي ، كالاخوان عقائدي ، كالاسماعيلية عقايدي..الخ، الخلاف في محتوى العقائدية، هذا التيار استغل وجوده في الحكم وفرض رؤيته للهوية اليمنية كحلقة أولى ، حسب عقيدته السياسية، للهوية العربية الشاملة!! ثم جعلها من المنهاج الدراسي وجعل الطلاب يرددونه صباحا فذلك ليس بحجة على صواب وصحة قراراه ، فلو انتصر الحوثي مثلا وهو عقائدي بغض النظر عن رؤيتنا لعقائديته ، وغير المناهج وفرض اللعن للصحابة واعاد اتهام ام المؤمنين بالافك واستمر الحال عقد أو عقدين أو حتى قرون...

فهل ذلك يجعلنا نجزم أن هذا دين لمجرد أنه حكم بالقهر وأنه فرض رؤيته العقائدية على طلاب المدارس .!!؟

مصداقية يمننة الجنوب العربي لاتؤكدها حجة كهذه ، لأنها لو كانت موضوعية لتقبلها كل النسيج المجتمعي كثابت غير قابل للمناقشة ولما اضطر من يريد تثبيتها ، الأحزاب والتيارات العقائدية اليمنية في الجنوب ، إلى اللجوء والاستعانة بالنصوص الدينية لدعم حجته المتهافتة كالاستقواء بحديث الحوض أو الإيمان يمان ، مع أن خصوصية الأخير ورد في وفد تهامي من خمسة عشر فردا من قبيلتي الاشاعر والركب جاءوا لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم..

في الأثر يبدا ميقات اليمن الجبلي من الطائف ، وهذا الميقات لكل من جاء من الجهة الجنوبية سواء عربي أو عجمي ، ومن جهة الساحل من يلملم ، فهل الشعب الذي موجود في الدولة السعودية وليس داخل في اليمن السياسي الحالي لم تشمله أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وان لا حظ لها في ورود الحوض؟ ، وهل القبائل التي نزحت من الجهة اليمانية لم تعد تشملها تلك الأحاديث .؟

لو كانت اليمننة معيار لورود الحوض فالمعنى أن الحوثي الرافضي سيرد الحوض لانه يمني !! وفي هذه الحالة علينا أن نراجع التوصيف الرافضي الذي نطلقه عليه ، فالحوض لا يرده راعي ضلالات! وعلينا نوصف الحرب معه بأنها مغالبة طرف سياسي على آخرين!!

وتاريخيا ، هل سبأ يمنية ؟

الأغلبية سيجيب بنعم، فهذا الرجل بنص اثر نبوي أنجب عشرة أصبحوا قبائل ؛ ستة منهم يامنوا " سكنوا اليمن" واربعة شاموا " سكنوا الشام "، وقبيلة تنوخ اليوم احداهم وهي في أغلبها نصيرية أن لم تكن كلها. فهل النصيرية فرقة ضالة ؟ وهل يمنيتهم كافية لورود الحوض!!

المحاججة لاتكون بأن المختلف يبحث عن شهرة أو أنه مصاب بانفصام أو أنهم لايريدون ورود الحوض ..الخ فتلك ردود لا تؤكد قوة الحجة بل تهافتها ومسألة تقبيح هوية الجنوب العربي بنحت اسم للاستهتار لن يؤثر على هذه الهوية ولن يمنع الإصرار إعادة الوعي بها فكل الجنوبيين يعرفون أنها صادرة عن جنوبيين مازومي الهوية لايفرقون بين المجاورة التاريخية بين الشعوب وما توجبه من تبادل مصالح وهجرة..الخ وبين اختلاف الهوية السياسية ؛ يفتقرون للشعور بالندية في الدولة اليمنية ولا يطمعون بأكثر من ندية الجعاشنة، والجنوبيون يعرفون تماما حقوق الجعاشنة في نظام اليمن إلا فئة من أبناء الجنوب العربي يرتضون لانفسهم أن يكونوا في اليمن مجرد فرع لاحقوق له إلا ما تفضل به الأصل !!

إلجنوب العربي مسمى سياسي وهوية وطنية مثل اليمن مسمى سياسي وهوية وطنية بغض النظر عن البعد والحقوق التي ارادتها الدولة المذهبية من يمننة اسمها عام 1918م التي غيرت مسماها التاريخي ويمننته لترث الجهة اليمنية به وعن هذه الإستراتيجية التوسعية أطلق الأمام احمد في منتجع " السخنه " عام 1955م مسمى اليمن الجنوبي على الجنوب العربي لم يقل جنوب اليمن لاختلاف دلالة الاسمين فالأول يعني جزء من اليمن والثاني لبلد مجاور لليمن!! فالتقفه التيار العقائدي للقوميين العرب ووصموا به الجنوب العربي حتى آلت أموره لهذا الذي نعانية اليوم.

في التاريخ الحديث ظهر مسمى مملكة الإمام ومسمى الجنوب العربي بعد الحرب العالمية الأولى ، البعض سيقول الجنوب العربي مسمى استعماري وهو يعلم يقينا أن الاستعمار لايفرض مسميات؛ فمصر مصر قبل احتلالها وبعده وكذا العراق وليبيا والسودان..الخ ، الاستعمار يتعامل مع مسميات ويوظفها لمصالحه فقط ، فينبغي أن ينحصر النقاش في هذه الفترة التاريخية دون الاستقواء بالاساطير أو تقوية ضعف الحجة اللادينية بالاثر الديني ، الفارق أن الجنوب كان محتل ثم نال استقلاله بنفس المسمى وتم تغييره من قبل جهة سياسية جنوبية تؤمن بايديولوجيا القومية العربية معروفة وعلى مسؤوليتها وهذا بنص الاتفاق ، فإن كان أهله تشملهم احاديث الرسول فلن يخرجهم منه مسمى الجنوب العربي وان لم يكونوا فيها فلن تدخلهم اليمننة السياسية.

هناك خلط مقصود بين اليمن/الجهة ، واليمن/ الهوية الوطنية السياسية، وأن من لأيحمل هوية الدولة اليمنية الحالية مجرد من عروبته ، ومن يتحجج بأن اليمن دولة لها تاريخ من مئات السنين!! صحيح كان في الجهة اليمنية دول مدن تخدم طريق تجارة البخور ، كانت متجاورة وكل منها له مسماه ، ولما تحول طريق البخور لم تعد تلك الدول فاعلا حضاريا فتأكلت بنهب بعضها البعض ، ثم جاء الإسلام وأصبحت الجهة اليمانية بجغرافيتها جزء من امبراطورياته المتعاقبة ، لكن ، هل دولة اليمن الحالية امتداد تاريخي لتلك الدول التي فصلتها حضاريا الإمبراطوريات الإسلامية ؛ وأن لا وارث لها الا صنعاء وهوية دولتها !! ؟ هذا منطق تاريخي لن يستقيم ، وهو جزء من أزمة هذه الدولة وصراعاتها .

اليمن جهويا بمعنى

" الجنوب " بهذا المعنى ، كل البلدان التي تقع جنوب مكة هي يمنية جهويا أي جنوبا بما فيها الجنوب العربي ، أما الهوية الوطنية السياسية فليست كذلك وقد حكم " بتشديد الكاف" الامام يحيى أمام اليمن الملك عبدالعزيز في نجران وحكم عبد العزيز بعدم يمنيتها السياسية ، ولما احتج الأمام كان رد الملك عبدالعزيز :" انك لست وراث الجهة اليمنية !!" فالجهة اليمنية شي ، والهوية السياسية لدولة اليمن شي مختلف ولا يعني انني اذا لم أحمل هويتها اني بلا تاريخ فتاريخ الدول التي نشات في الجهة اليمنية لا ترثه صنعاء ومشروعها السياسي .

إن لجؤ ثوار الجنوب العربي إلى دولة اليمن ايام الاستعمار والاستعانة بها ليس حجة لوحدة الهوية الوطنية السياسية مع الجنوب العربي ، بل لمفهوم اوسع كان ينظم العلاقات الاسلامية هو مفهوم "أهل القبلة" وهذا المفهوم الإسلامي يسع المختلفون في المذهب وتلزمهم واحدية القبلة بالنصرة ، أما حقيقة نظرتهم فكانوا يقولون : بلاد اليمن أو بلاد الزيود أو أرض امزيدي، ولم يثور أي جنوبي ضد بريطانيا ليكون جزء محكوما لليمن أو أنه جزء من هويته السياسية .