أمن عدن.. عهدة الانتقالي
تلقى المجلس الانتقالي الجنوبي، منذ تأسيسه أمانة ثقيلة من شعب الجنوب، بتحميله مهمة استعادة دولة الجنوب، ورد مظالم الجنوبيين المهضومة منذ 3 عقود، بثقة في طريقه نحو تحرير الأرض واستعادة الحقوق ومنع نزيف الثروات.
أسس المجلس القوات المسلحة الجنوبية، كركيزة للدولة، تدفع عن الشعب المسالم كيد الأعداء، وتبطل مفعول الآلة العسكرية الإخوانية والحوثية في الجنوب، وتمنح الجنوبيين ضمانة ووقاية من غدر الطامعين، ومضى بكوادره صاحبة الخبرة والكفاءة، على المسار الوطني دون أن يحيد، على عهده مع شعب الجنوب، ليؤسس هيئة وطنية للإعلام لأول مرة في تاريخ الجنوب، واتحادات نقابية قوية كأعمدة ضرورية للدولة المنشودة.
وعلى الرغم من تجاوز الجنوب تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي العديد من المنعطفات باقتدار، إلا أن المرحلة الحالية تعد أخطرها، فالخصم الانتهازي الذي قبل المجلس أن يمد إليه يده عبر اتفاق الرياض، لأجل رفع المعاناة عن شعب الجنوب، لجأ إلى إيلام الجنوبيين بالحرمان من أساسيات الحياة، وانقلب على عهده بتدبير حرب الخدمات في شتى ربوع الجنوب.
وعلى المسار الآمن – الذي لطالما شدد عليه الرئيس عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي لتجنيب المواطنين المزيد من الصراعات – يخطو المجلس، يسد الثغور على الجبهات، ويحصن الداخل من الإرهاب، والمندسين تحت مسميات النزوح وغيرها، دون أن ينشغل يومًا عن حق الجنوبيين في الحياة الكريمة، ليكرر يوميًا وفي بيانات موثقة ومؤرخة، دعوته للحكومة للعودة إلى العاصمة عدن، لممارسة مهامها وإنهاء بؤس العيش في الجنوب، دعوات لا تأتي عن ضعف وإنما تقديرًا لمعاناة أبناء الوطن في الداخل، والتزاما بما جرى عليه الاتفاق أمام رعاته.
غير أن الحكومة التي تشكلت بعد مخاض طويل وضغوط مضنية على الشرعية الإخوانية، لا تحمل أجندة تنموية وإنما دورها الوحيد استنزاف الوقت بينما يتفاقم لهيب الأزمة الإنسانية ليحرق كل ما يطاله، فالشرعية لا ترغب في مواطنيين جنوبيين، بالقدر نفسه الذي لا يرغب الجنوبيون فيها بالاحتلال اليمني، إلا أنها تريد أرضا محروقة تعرف مواقع الثروات في باطنها جيدًا، ولولا أن تلك الثروات في الجنوب وليس الشمال، ربما ما وقع الاحتلال، فالانتهازية الشخصية تحكم نظام قوى صنعاء على اختلاف مسمياته.
وبينما توزع الحكومة الهاربة من مسؤولياتها التصريحات والبيانات الإنشائية، عن اتفاق الرياض وضرورته، تتخلى هي عن مهامها التي تعد أول بنوده، ويتجول وزراؤها في الخارج برحلات سياحية مدفوعة الأجر، في ظل عمل دؤوب لأعضاء الحكومة من المجلس الانتقالي الجنوبي.
قبل ساعات افتتح وزير الزراعة سوق الأسماك في المعلا، ومنذ أيام عقد مباحثات مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، لجلب مساعدات للمزارعين، كما أطلق موسم الصيد، وينظم العمل المؤسسي في الوزارة بإعادة هيكلتها.
في الأثناء نفسها، نجا وزير الخدمة المدنية – المحسوب على المجلس الانتقالي الجنوبي – من محاولة اغتيال، غير أنه واصل جهوده ومهامه داخل وزارته من العاصمة عدن، كذلك الحال مع وزير النقل الدكتور عبدالسلام حميد، الذي أطلق قبل ساعات معدودة مشروع مطار عدن الجديد، بالتزامن مع محاولات لجلب دعم دولي لتطوير مطار عدن الحالي، وتشكيله لجنة لدراسة أجور العمال في الموانئ لضمان كفايتها، ويواجه التسرب النفطي لناقلة لأحد رموز فساد الشرعية الإخوانية في ميناء العاصمة عدن، بقرارات حازمة، في الوقت نفسه يدرك المتابع أن محصلة بقية الوزراء مجتمعين صفر كبير.
وعلى غرار عهد الجنوبيين بالإصلاح الإخواني، يشي الواقع بمؤامرة جديدة من التنظيم الإرهابي على عدن، في ذكرى تأسيسه، ليستهل عقده الجديد، بخطة لإسقاطها خرابا، بعدما فشلت مساعيه الخبيثة لإسقاطها جوعا، بسلاح المندسين المكدسين داخل العاصمة عدن، تحت مسمى النازحين، يستنزفون خيراتها، وينعمون بمواردها، ويبقى المواطن البسيط يصارع ضنك العيش، لا يجد يدًا تمتد إليه، وتخفف من معاناته، حيث تحرص الشرعية الإخوانية على توجيه الجهود الإغاثية الدولية كلها إلى مخيمات النازحين في مأرب.
التطورات في العاصمة عدن، تهدف إلى فرض أحد خيارين على المواطن البسيط، فإما أن يتنازل عن قضيته الوطنية، ويلقي علم الجنوب أرضا، وبدلا من أن يهتف لوطنه، يعلو صياحه لجلاديه لتسول الخدمات، فيأتيه منها الجزء اليسير، أو يشهد على العاصمة عدن يعيث فيها فسادا حزب الإصلاح الإخواني عبر مندسيه المتسترين تحت صفة النزوح، بين المتظاهرين السلميين، في سيناريو لإشعال حالة من الفوضى، في رهان فاشل، فلا المجلس الانتقالي الجنوبي يقبل بإخلال أمني ينعكس سلبا على الممتلكات العامة أو الخاصة، ولا المواطن الجنوبي يغفل أن حقه في التظاهر السلمي – الذي دأب المجلس الانتقالي الجنوبي على تصدره والدعوة إليه لا ينتقص من الحق في الأمن والاستقرار الذي جاء ثمرة سنوات من التضحيات.
وفي النهاية، طموح الشرعية الإخوانية، لاشتعال عدن بأيدي المندسين تحت مزاعم الحق في التظاهر لتسديد طعنة للقضية الجنوبية من الداخل، لن ترى النور، لأن عاصمة الجنوب لا تحصنها البنادق، بل الوعي الشعبي، الذي بات في ترقب لقرارات المجلس الانتقالي الجنوبي بعد تلويحه بتدابير لرفع معاناة الحصار الاقتصادي عن البسطاء في الجنوب، في إنذار وصل إلى من يعي أن المجلس قادر على الوفاء لشعبه بتعهداته.