خيانات الشرعية من الجوف إلى شبوة.. تحدٍ مصطنع يمنح الحوثيين إشارة التوغّل
"في فبراير 2020 خرج محافظ الجوف المدعو أمين العكيمي يُظهر ما سُمي توعدًا للحوثيين، بعدما بأيام سقطت المحافظة في قبضة المليشيات".
"في سبتمبر 2021، خرج محافظ شبوة المدعو محمد صالح بن عديو يُظهر أيضًا ما سُمي توعدًا للحوثيين.. المحافظ الآن تتساقط مديرياتها في قبضة المليشيات".
هذا المشهدان يلخصان كيفية تعاطي مليشيا الشرعية مع الحرب الجارية وتطوراتها، فهي من جانب تطعن وتتآمر وتخون وتسلم الجبهات للحوثيين، في الوقت نفسه يظهر مسؤولوها في محاولة لارتداء ثوب البطولة مدعين الحرب على المليشيات.
بن عديو ظهر في صحراء شبوة، في وقت كان يتمدد فيه الحوثيون على الأرض.. بدى الرجل في مقطع فيديو، مهزوزًا مرتبكًا بما يوحي إلى أنه كان ينفذ مشهدًا مصطنعًا، حاول فيه دغدغة المشاعر عبر إدعائه بأن فصيله يحارب المليشيات المدعومة من إيران.
في كلمته، حاول بن عديو الترويج لأكاذيب إخوانية جرت العادة على ترديدها، ليس أقلها أن الشرعية تحارب المليشيات الحوثية، وهي أكذوبة فضحتها وقائع تسليم المواقع للمليشيات المدعومة من إيران.
استلهم بن عديو سياسة رفيقه فيما يوصف بـ"الفشل والتآمر"، وهو خطاب العكيمي قبل أكثر من عام ونصف، فالرجل اصطنع مشهدَ قوة، وحاول الإيهام بأن الشرعية تحارب الحوثيين في الجوف، وأن المحافظة ستظل عصية على السقوط، لكنّها – للمفارقة – سقطت بعدما توارت مليشيا الشرعية عن المواجهة، في مشهد يتكرر في كل المواقع.
سيناريو الجوف وسقوطها في قبضة الحوثيين أثار مخاوف عدة من أن يكون المصير نفسه ينتظر محافظة شبوة، فأي مسؤول إخواني يتحدث بلهجة تُظهر عداءً أو تحديًّا للحوثيين بشكل مصطنع، تحمل معنى مغايرًا، ويكون الأمر بمثابة تمهيد لمنح الجبهة للمليشيات المدعومة من إيران.
العكيمي هذا الذي ظهر أمام الرأي العام محاولًا التمثيل بالعداء للحوثيين، كان قد فُضِح أمره بعدما عقد لقاءات سرية مع قيادات حوثية، وهو ما أعقبه سيطرة المليشيات على المحافظة.
لعل هذا السيناريو المقلق قد بدأ تنفيذ خطواته، فمناطق عدة من محافظة شبوة بينها مديرية بيحان الاستراتيجية باتت شاهدة على حضور حوثي على الأرض، بعدما انسحبت مليشيا الشرعية الإخوانية من مواقعها، ضمن تنسيق مشترك بين الجانبين، أشبه بعملية التسليم والتسلم.
خطة تطويق الجنوب ربما باتت أكثر وضوحًا بالنظر إلى حجم التطورات المتسارعة على الأرض، ففي أحدث أُطر هذا التنسيق المشترك سلّمت مليشيا الشرعية الإخوانية، عقبة ملعا الاستراتيجية الواقعة بين مديريتي الجوبة وحريب بمحافظة مأرب، إلى مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
إقدام الشرعية على منح هذه الجبهة الاستراتيجية للحوثيين يمثّل إفساحًا للمجال أمام المليشيات لتتمدّد بشكل أكبر صوب الجنوب، وتحديدًا محافظة شبوة، إذ تحاول المليشيات الحوثية بسط سيطرتها على حقول النفط والغاز.
ورشحت الكثير من المعلومات عن إبرام الحوثيين والشرعية صفقات سرية، مهّدت الطريق أمام توغّل المليشيات بشكل أكبر صوب الجنوب، وقد تجلّى ذلك في سلسلة من قرارات تحركات وتنقلات عسكرية اتخذتها مليشيا الشرعية، تمثّلت في إخلاء المواقع العسكرية والنقاط الأمنية وتسليمها للحوثيين.
وعملت مليشيا الشرعية على تفريغ هذه المناطق من العناصر التي قد تدخل في مواجهات عسكرية ضد المليشيات الحوثية، والأكثر من ذلك أنها أشعلت معارك فيما بينها وبين القبائل لعرقلتها هي الأخرى من مواجهة المليشيات الإرهابية.
تكشف هذه التطورات والتحركات حجم التكالف بين الحوثيين والإخوان ضد الجنوب عبر محاولة تطويقه عبر أكثر من جبهة، إذ تستميت الشرعية من إيجاد موطئ قدم للمليشيات الإرهابية المدعومة من إيران.
وتراهن الشرعية، على ما يبدو، على السلاح الحوثي وسيلةً للنيل من القضية الجنوبية، فتغييب الأمن والاستقرار في الجنوب يظل سبيل الإخوان الوحيد نحو ضمان عرقلة توجه الجنوب نحو استعادة دولته، إلى جانب إمكانية التمادي في السطو على ثروات الجنوب.