تحليل: جديد التحالفات في الشرق الأوسط

الثلاثاء 23 أغسطس 2022 00:27:00
تحليل: جديد التحالفات في الشرق الأوسط

تصاعد الدورالصيني وعودة روسيا لدورها العالمي تدريجياً، وبروز دول إقليميـة بشكل مؤثر على ساحة الصراعات الإقليمية،أدى إلى فتح المجال لتعدد العلاقات حسب المصالح المتغيرة للدول، وهو ما كان مستحيلاً خلال الحرب الباردة وبعدها خلال حالة القطب الأمريكي الواحد.

تركيا (عضوَ حلف الأطلسي) تعقد صفقة سلاح مع روسيا، وتعقد معها وإيران اتفاقات بشأن ترتيب أوضاع الصراع في سوريا، دون مشاركة الولايات المتحدة ودول أوروبا، رغم وجود قواتها على الأرض السورية. ورأينا دولاً في الاتحاد الأوروبي تعقد شراكات مع روسيا عبر خطوط نقل الغاز الروسي الذي تحول إلى معطىً سياسي وإستراتيجي تحاول الولايات المتحـدة مواجهة تأثيراته، ورأينا دول الاتحاد الأوروبي تتحرك للاستفادة من التمويل المالي الصيني في تطوير موانئها ودعم اقتصادها.

ورأينا صراعاً بين دول الاتحاد الأوروبي للحصول على المواد الطبية من الصين خلال تفشي جائحة كورونا. ورأينا أمريكا وأوروبا تختلفان وتتصارعان خلال فترة ترامب حول الموقف من إيران، إلى درجة تبادل الاتهامات علناً. ورأينا فرنسا وإيطاليا متصارعتين في ليبيا، ولكلٍّ منهما تحالفات مع دول أخرى من خارج المنظومة الأوروبية. ورأينا دولاً حليفة للولايات المتحدة تستورد السلاح من الصين وروسيا.

ورأينا دولاً أخرى حليفة للولايات المتحدة تعقد اتفاقياتٍ دوليةً ذاتَ مدى زمني طويل حول أسعار السلع الأولية إلى درجة الإضرار بأسعار نفس السلع التي تصدِّرها الولايات المتحدة. ورأينا الهند التي كانت أقرب إلى روسيا، تتحـول لتصبح أقرب إلى التعاون مع الولايات المتحدة ثم تعود وتعقد صفقات سلاح مع روسيا فتعترض الولايات المتحـدة. ورأينا باكستان توسع تعاونها إلى أقصى مدى مع الصين رغم الرفض والضغط الأمريكي. بل رأينا الكيان الصهيوني في وضع التعاون الاقتصادي مع الصين وفي وضع التنسيق السياسي والعسكري مع روسيا بشأن سوريا ولبنان.

الآن بينما يحاول بايدن العودة بدورأمريكا إلى ما كان عليه من قبل وَفْقَ شعار أمريكا عادت مجدداً؛ فهو يصطدم بأوضاعٍ وسياساتٍ ومصالحَ وتحالفاتٍ تشكلت خلال السنوات الأربع الماضية لكلٍّ من روسيا والصين مع دول العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، وللدول الإقليمية التي حددت سياساتها ورتبت علاقاتها وشبكات مصالحها، على أساس ما أرساه ترامب من حالة انسحابية.

لكن تلك الحالة الأمريكية الجديدة في توجهاتها مع وصول بايدن قد وفرت دوافع جديدة هي الأخرى لبحث الدول عن تحالفات أو التقاءات بينية مؤقتة ولتوسيع تحالفاتها الدولية، لتشكيل شبكة أمان لحماية نفسها من العودة الأمريكية للتحكم والسيطرة.

كما يُتوَقع تصاعد التغييرات في علاقات دول الإقليم بعضها مع بعض، لمواجهة عودة بايدن إلى كتالوج أوباما، الذي اعتمد سياسة تفعيل الضغوط على الدول عبر التلويح بورقة حقوق الإنسان وتحويلها إلى سيف مسلط على الرافضين للانصياع للضغوط الأمريكية.
حالة التحالفات المؤقتة ستتغير اتجاهاتها عما كان قائماً من قبل، بسبب التحولات التي يجريها بايدن في السياسة الخارجية الأمريكية؛ سواء ما كان منها متناقضاً مع سياسات ترامب أم ما كان متعلقاً بالأفكار التي يتحدث عنها بايدن والقيم التي يزعم أن السياسة الخارجية ستبنى عليها خلال فترة السنوات الأربع القادمة. وهي تغييرات سيزيد من متانتها إعلان بايدن اعتزامه الترشيح لدورة رئاسية جديدة.

بين عهدي ترامب وبايدن:

منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ومع تزايد وضوح معالم سياسته الخارجية في الشرق الأوسط المتعارضة مع سياسة سلفه بدت سياسات الدول الشرق أوسطية في وضع التغيير المترقب للتطورات أو التغييرات المستجدة في السياسات الأمريكية. وهي حالة يتوقع أن تتطور تصاعدياً، مع ما يبدو ظاهراً الآن من توجه بايدن لإعادة هيكلة الصراعات في الشرق الأوسط على حساب دول بعينها ولمصلحة خط إستراتيجي للصراع الدولي - ربما الوحيد - هو خط الصراع مع روسيا والصين.
كان ترامب قد اعتمـد سياسة الضغوط القصوى على إيران، وضمن هذا الإطار جرى الضغط على وكلاء إيران في الإقليم. وهو ما فتح مساحة أمام تركيا للتحرك في سوريا وليبيا، وكذا لم يتخذ مواقفاً ضدها خلال تصعيد دورها في شرق المتوسط.

وفي العراق قاد ترامب مواجهة مع إيران، بينما لم يطرح وقف الحرب في اليمن.

وخلال فترة حكمه لم يرفع ترامب سيف حقوق الإنسان؛ وهو ما اعتبرته الدول إعلاناً بوقف سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وكان قد وصل ترامب حدَّ الضغط على إثيوبيا إلى درجة إيقاف بعض المساعدات الأمريكية المالية، ووصل حدَّ الحديث عن أن مصر قد لا يكون أمامها سوى قصف سد النهضة.

وفي الشأن الفلسطيني كان ترامب هو أشد الرؤساء الأمريكيين تحيزاً لاسرائيل؛ إذ نَقَل السفارة الأمريكية إلى القدس وأقر سيادة اسرائيل على الجولان.

وعلى صعيد الدورين (الصيني والروسي) في الشرق، لم يُبرِز ترامب موقفاً وحالة صراعية قوية في مواجهة المكاسب التي حققتهما الدولتان. لقد بدا ترامب في موقع الإقرار لروسيا بتدخلها في سوريا، وكذا لم يتحرك بقوة في مواجهة الدور الروسي في ليبيا؛ وهو ما شجع روسيا على التحرك لإقامة قاعدة عسكرية بحرية في السودان. كما لم يبدِ ترامب موقفاً مناهضاً لا للدور الصيني المتصاعد في تمدده من خلال مشروع الحزام والطريق، ولا لصفقات التسليح بين الصين وبعض الدول الشرق أوسطية.

الآن يأتي بايدن ليوجه العالم بسياسة مناقضة لسياسة ترامب، وفي الشرق الأوسط؛ لا تغيِّر توجهات بايدن الرؤية والعلاقات الأمريكية مع الدول فقط؛ بل تشمل إعادة ترتيب أولويات وأهمية الصراعات (من وجهة النظر والمصالح الأمريكية) على حساب الدول العربية، والأخطر: أنها تشمل فرض خط صراعي جديد على حساب تلك الدول أيضاً.

لقد شعرت العديد من الدول بأن التغييرات التي يعتمدها بايدن ستكون ضاغطة عليها وعلى حساب مصالحها، ورأت أن مصالحها تتطلب التلاقي الإقليمي في هذا الصراع أو ذاك، ولذلك تجري إعادة ترتيب العلاقات مجدداً، وهو ما يشير إلى أن ظاهرة سيولة العلاقات باتت عنواناً مهمّاً من عناوين العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط... في معمعة إلصراع الدولي:

سيزداد وضوح التحولات في السياسة الأمريكية في الشرق من الآن فصاعداً، بما يفرض تحديات فعلية على بعض دول الشرق الأوسط، تدفعها بالضرورة لإحداث تغييرات جادة أو على الصعيد العملي في علاقاتها البينية، بالاختلاف عما كان جارياً خلال حكم ترامب.

لقد قررت إدارة بايدن جعل الصراع مع الصين وروسيا صراعاً إستراتيجياً، إلى درجةٍ أعقد وأشد ضراوة من صراع الحرب الباردة. وضمن هذا الإطار جرت العودة إلى تقوية التحالف مع أوروبا، كإطار مباشر للصراع مع روسيا، كما ذهبت السياسة الأمريكية باتجاه تشكيل تحالف مع الهند واليابان وأستراليا (وكوريا الجنوبية في الظل حتى لا تستفز كوريا الشمالية) كإطار مباشر للصراع مع الصين.وهكذا فاذا كان بايدن قد أحدث تغييراً بإضافة روسيا محوراً إستراتيجياً إلى جانب محور الصين؛ فالأهم أنه يعتمد إستراتيجية بناء تحالف في كل منطقة لمواجهة تحديات الصراع مع كلٍّ من روسيا والصين على حِدَة.

وهنا يأتي الصراع في الشرق الأوسط على سلم أولويات بايدن ضمن السياق الإستراتيجي نفسه. بايدن يتحرك الآن لإعادة ترتيب أولويات الصراعات في المنطقة، بإعلاء الصراع ضد روسيا والصين على حساب كل الصراعات الجارية. وهو ما يجري الإعداد له عبر تسكين حالات الصراع القائمة من جهة، وأهمها الصراع (العربي - الإيراني)، والصراع (العربي الإسلامي - الاسرائيلي)، و (الصراعات الداخلية في ليبيا واليمن) وفي الأغلب سوريا أيضاً... وما سيجري سيكون حاداً ومباشراً من جهة أخرى من خلال فتح مساحة لصرعات مستجدة يكون هدفها طرد النفوذين والوجودين الروسي والصيني.

لقد تحركت الولايات المتحدة لتسكين الصراع في ليبيا، ودعم الحل الذي دفعت الأطرافَ للتوافق عليه بهدف تشكيل بيئة طاردة للمرتزقة الروس من هناك.وتتحرك تجاه اليمن لتعزيز العلاقات المستقبلية مع إيران ولقطع الطريق على روسيا والصين في اليمن (على حساب الشعب اليمني والأمن القومي العربي)، والأغلب أنها ستسعى خلال التفاوض مع إيران إلى وقف الاتفاق الإستراتيجي بينها والصين، في مقابل منحها فرصة الإقرار بنفوذها في اليمن والعراق وربما سوريا. وفي الجانب الآخر، فالأغلب أنها في وضع تفاوضي الآن مع دول عربية تمنح نفوذاً ودوراً لروسيا والصين، وربما يتطور الأمر ضغطاً وتفكيكاً وحروباً وتمردات في مرحلة لاحقة.

وستسعى أمريكا لدفع تركيا بعيداً عن روسيا وكذا الحال عند كل الدول التي تستورد سلاحاً من روسيا لتعزيز خطة خنق روسيا.

وهو ما سيجلب أوروبا وحلف الأطلنطي (وربما الهند واليابان وأستراليا وكندا) إلى دوامة الشرق الأوسط تحت قيادة أمريكا، وبذلك سيصبح الشرق الأوسط في كل صراعاته مدوَّلاً.

وفي كل ذلك سيعود بايدن إلى تفعيل ادعاءات حقوق الإنسان باعتبارها ورقة من أوراق الضغط.

العميد / ثابت حسين صالح

*باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي

الدراسات والتحليل

الأربعاء 27 مارس 2024 18:27:39
السبت 23 مارس 2024 14:13:06
الأربعاء 20 مارس 2024 18:52:21