نوافذ عدن وأشلاء المعالم التاريخية والحضارية
د.عبده يحيى الدباني
- الجنوب وحرب الأمراض القاتلة !!
- حين تكون الشجرة وطنا
- نحررهم اليوم ليحتلونا غدا !!
- قطرات من سماء الوطن
كريتر مدينة تاريخية أثرية بكل ما حولها.
تعد عدن إحدى المدن العالمية الشهيرة بالمعالم التاريخية والعمرانية والمواقع الطبيعية النادرة والصروح التاريخية الدينية والثقافية وغيرها، وتعد مدينة كريتر، بوجه خاص مدينة تاريخية أثرية بكل ما حولها من أسوار ودفاعات وطرق ودروب وأنفاق وصهاريج، وبكل ما فيها من مبان وشوارع ومعالم وأسواق ومدارس ومساجد وكنائس ومعابد وحارات وآبار وأضرحة ومقابر وصروح ثقافية. إن معظم ما في مدينة «كريتر» يتمتع بقيمة تاريخية لا تقدر بثمن، ومن هنا فإن الدعوة التي تتبناها مؤسسات المجتمع المدني وفي طليعتها جمعية التاريخ والآثار بعدن، إلى جعل هذه المدينة محمية تاريخية لاسيما كريتر، هي دعوة وطنية مخلصة بحاجة إلى تضافر جهود الآخرين معها رسمياً ومدنياً.
لقد أمسى هذا الأمر ملحاً ولا يقبل التمادي في مواجهة الإساءة للتاريخ والعشوائية والسطو والإهمال واللا مبالاة وغياب الدولة وأجهزتها وقوانينها إزاء ما يحدث من عبث وتدمير وعشوائية.
لقد بات الأمر ملحاً على المستوى الرسمي والشعبي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والمحافظة على ما يمكن المحافظة عليه، وإيقاف معاول الفساد والجهل وحقن دماء المعالم التي تنزف كل يوم في هذه المدينة الأسطورة هبة الله سبحانه وتعالى التي منحنا إياها لينظر أنشكر أم نكفر.
لقد بنى الأجداد ما بنوه وتركوه لنا، فلم نعجز في المحافظة عليه فحسب ولكننا شمّرنا سواعدنا وشرعنا في هدمه وطمس معالمه بأنانية وأمية حضارية ومدنية وجشع شيطاني، في ظل تواطؤ وتورط الجهات الرسمية ومشاركتها وتنفيذها للتوجيهات الخاطئة وتحقيقها لرغبات المسئولين والمتنفذين وأطماعهم، وفي كل ذلك ضياع للماضي والحاضر والمستقبل على المستويين المادي والروحي معاً؛ لأنه ضد طبيعة الحياة وتطورها وتماسك حلقاتها ويقع ضمن دائرة «الفساد في الأرض» الذي ذكره الله تعالي في محكم التنزيل.لم نعجز في المحافظة على ما بناه الأجداد فحسب ولكننا شرعنا في هدمه وطمس معالمه
ومن غير المنشآت التاريخية في عدن فإن هناك المواقع الطبيعية من جبال وأودية ومضايق وهضاب وشواطئ وسائلات ومراتع حيوانات وطيور ومساحات خضراء بنباتات نادرة وغير ذلك؛ هذه أيضا لم تسلم من أيدي أخطبوط العبث والعشوائية والسطو والإهمال على ما في ذلك من أخطار بيئية ومناخية وغيرها على المدينة وعلى مينائها الطبيعي العريق. فتدمير «كواسر الموج» مثلاً من صخور وأطراف ونتواءات بارزة وخراطيم طبيعية يقود بالضرورة عند هيجان البحر وجنونه إلى وثوب الموج بقوة نحو المدينة من غير أن يكبح جماحه شيء بعد أن دمّرت يد الإنسان هذه الكواسر والدفاعات الطبيعية كما حدث في فيضان «تسونامي»؛ حتى أن ما تتعرض له بعض الجبال في عدن من حز واجتزاز لرؤوسها يجعل الطريق مفتوحاً أمام الرياح فتثير الموج في الميناء فيرتفع المد وهذا خطر ملاحي ناهيك عن الضرر الجمالي والحضري وهذا ليس من عندي إنما هو من لسان المهندس الجيولوجي معروف عقبة.
فانظروا اليوم إلى ما يجري في شواطئنا من دمار مرتدياً ثوب الاستثمار، وهو في الأصل مجلبة للأخطار. فما أجل وأعقل الدكتورة أسمهان العلس، الأمينة العامة لجمعية التاريخ والآثار في عدن، وهي ما فتئت تردد وتؤكد أن إعلان عدن محمية تاريخية لا يشكل أي خطر على التنمية والاستثمار والملكية الخاصة على كل حال، لكنه يقع في صلب التنمية الحقيقية المتكاملة والاستثمار المشروع طويل الأمد سياحياً وتجارياً وملاحياً وثقافياً.
لقد كانت عدن مستعمرة بريطانية ثم أصبحت عاصمة دولة الجنوب المستقلة ثم عاصمة اقتصادية وتجارية شكليا، والآن يسمونها بالعاصمة المؤقتة لكنها تعيش أسوأ أيامها في كل المجالات لاسيما حضاريا وثقافيا، لقد دمرت الحرب ما دمّرت من الآثار والمباني العتيقة ذات القيمة التاريخية والحضارية مثل «رصيف السواح» في التواهي.
ولا تزال الاعتداءات مستمرة على المواقع والمنشآت الأثرية العريقة، مثل بوابة عدن وصهاريج الطويلة وسجن عدن، وأماكن عديدة في منطقة المملاح في خور مكسر والمربط في التواهي ومبنى شرطة الشيخ عثمان، ومعسكر عشرين في كريتر وغيرها، كما نال الخراب والتشويه فنادق عريقة مختلفة، وهناك محميات اندثرت وبقيت محمية الحسوة غارقة في مياه المجاري فباتت محمية للبعوض ومنطلقا للأمراض.
لقد بات واجباً على المنظمات الدولية المهتمة بالتراث الإنساني أن تحمي عدن من هذا الطغيان غير الإنساني الممعن في تشويه المعالم التاريخية وطمسها وامتلاكها والمتاجرة بها لاسيما في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها المدينة، وانهيار سلطة الدولة في حمايتها والمحافظة عليها.
ومن هذه المعالم في عدن الطرق نفسها فهناك طرق ودروب وجسور عريقة مثل الجسر البحري، كل ذلك اندرس وصار يشكو الجحود والعدوان والعبث.
إنما هذه الآثار والمعالم روح التاريخ الممتد عبر الأجيال والأزمان يضيء حاضرنا ويعزز الثقة بالمضي نحو المستقبل.