تحليل: الحرب في غزة والأزمة في اليمن

الاثنين 27 نوفمبر 2023 17:14:00
تحليل: الحرب في غزة والأزمة في اليمن

الحرب في غزة والأزمة في اليمن

ثابت حسين صالح*

ضاعفت الحرب في غزة من حدوث أزمة في السلع الأساسية وخاصة بعد سعي الحوثيين للمشاركة فيها ولو إعلاميا لحاجة في أنفسهم، سنأتي على ذكرها لاحقا في هذا المقال.

قبل ذلك نلخص أهم تداعيات هذه الحرب على اليمن وخاصة من الناحية الاقتصادية.

1- طرأ اضطراب جديد في سعر العملة المحلية (الريال اليمني)، وتأثرت الأسعار بحملات جباية حوثية تحت مسمى التبرع لغزة، في ظل غياب إصلاحات اقتصادية جذرية من جانب الحكومة الشرعية في المناطق المحررة (وهي أساسا الجنوب).

حيث بلغ سعر الدولار الأميركي 1500 ريال يمنيا، متأثراً بالتراجع الملحوظ للتحويلات القادمة من خارج البلاد، سواء عن طريق المغتربين أو المنظمات المانحة.
وعلى الرغم من عدم حدوث أي تغير في أسعار الصرف في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية الشمال- أجزاء من تعز ومأرب- هناك أزمة حادة في الفئات الورقية، وصعوبة الحصول على العملات الأجنبية، والارتفاع الملحوظ في أسعار السلع.

2- هذا يعني أن ثبات أسعار صرف العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية ليس ناتجا عن أسباب اقتصادية ومالية، بل إلى قرار ألزمت به الجماعة البنوك وشركات الصرافة منذ سنوات...بينما تكشف أسعار السلع والخدمات، خصوصاً المستوردة منها عن تناقض ملحوظ بشدة مع أسعار العملات الأجنبية.

3- يرى باحثون اقتصاديون أن السعر الحقيقي للدولار في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يقارب 2000 ريال، أي بزيادة تناهز ثلث سعره في المناطق المحررة. وأن غالبية التجار في هذه المناطق يتعاملون بينهم بالشيكات تهرباً من أسعار العملات الأجنبية التي يرونها غير عادلة بالنسبة لهم.

4- تأثير الحرب في غزة ألقى بظلاله على اليمن ضمن التأثيرات التي سيشهدها الاقتصاد العالمي، ومن ذلك ارتفاع تكاليف النقل، وارتفاع أسعار الوقود، وتراجع التمويلات الدولية والمنح الموجهة للبلدان التي تعاني من الحروب والأزمات.

5- تعيش المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية أزمة عملات أجنبية حيث تمنع تداولها، حيث ظهرت مؤشرات انعدام النقد الأجنبي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من خلال تجنب الكثير من الشركات والبنوك والصرافين تسلُّم حوالاتهم المالية في مناطق سيطرة الحوثيين، وبدأت تحويلاتهم تذهب إلى مدينتي مأرب وعدن.

6- وجود أزمة أوراق نقدية كبيرة في مناطق سيطرة الجماعة، حيث إن المعروض من سيولة النقد الأجنبي تراجع بشكل كبير وواضح، في وقت تفرض فيه الجماعة على أصحاب الحوالات المالية، تسلُّم تحويلاتهم، والسحب من حساباتهم البنكية بالعملة المحلية وفق سعر صرف مفروض من قبلها.

7- يعاني القطاع الخاص من تعنت حوثي وعمليات جبايات متنوعة غير قانونية، إضافة إلى اقتحام لاعبين جدد محسوبين على قيادات حوثية أضرت بالاقتصاد على المديين المتوسط والطويل، الأمر الذي أدى إلى هجرة كثير من رؤوس الأموال التي كانت داعماً أساسياً للاقتصاد الوطني خارج البلاد، ما يلقي بأثره على الفاتورة الاستيرادية وزيادة البطالة.

غياب الإصلاح الحكومي الجاد والجذري:

أعلنت الحكومة اليمنية أكثر من مرة أن قيادة البنك المركزي اليمني شرعت بتنفيذ الكثير من الإجراءات والإصلاحات المختلفة اثبات أسعار الصرف ومعالجة الاختلالات الاقتصادية بعدد من الإجراءات عبر البنك المركزي...لكن النتائج كانت متواضعة جدا ولم تحدث أي تحسن ملموس.

ومن الجدير بالذكر أن الصادرات انخفضت من 6.4 مليار دولار عام 2014 إلى 1.7 مليار عام 2022.

ومنذ عام 2015 استهدفت الجماعة الحوثية المنشآت النفطية في الجنوب التي عجزت عن السيطرة عليها.

المشكلة الأخطر تكمن في اقتراب الدَّين الحكومي من الدَّين المحلي، الذي يعد كارثة بكل المقاييس، بعد تعرض الحكومة اليمنية لخسائر اقتصادية يقدرها بـ 25 مليار دولار، بينما تسهم الجهات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة في مفاقمة هذا الوضع بتعاملها مع اليمن في قضايا الديون دون مراعاة هذا الانقسام، ودون السعي لإنهائه، والحرص على توجيه جميع الموارد إلى البنك المركزي.

وهذا يطلب من الجهات الدولية السعي إلى إنهاء هذا الانقسام من جهة، ومراعاة الوضع الإنساني المعقد للمجتمع اليمني في ظل استمرار الصراع، وتخلي المؤسسات العامة التي تديرها الجماعة الحوثية عن واجباتها تجاه السكان، مثل إيقاف صرف الرواتب والخدمات العامة وخدمات الرعاية الاجتماعية والسيطرة على المساعدات الموجهة إلى المتضررين من الأزمة الإنسانية.

ونفس الأمر ينطبق أيضا على الحكومة الشرعية.

وعودة إلى بدء فأن الحرب في غزة ستلقي بتأثيرها على الوضع في اليمن نتيجة الارتدادات الكبيرة للصراع إقليميا، وستشهد الأزمة اليمنية تحولات قد تكون جذرية لا سيما إذا انهارت المصالحة السعودية الإيرانية وشهدت منطقة الخليج هجمات متبادلة بين إيران والقواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة فيها، رغم أن هذا احتمال ضعيف جدا، لأن إيران لن تدخل الحرب بشكل مباشر بل تنتظر توظيف نتائجها لصالحها.

* باحث ومحلل سياسي وعسكري