من القاعدة إلى الحوثي إلى إيران.. قطر تنفّذ التزامها التام بدعم الإرهاب
كشفت الأحداث والتقلّبات العاصفة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، وما خلّفته من آثار واضحة على استقرار أجزاء منها، وما شكّلته من تهديد لباقي الأجزاء، عن مفارقة صادمة تنطوي عليها مواقف عدد من دول المنطقة من قضية حفظ الأمن والاستقرار، وأدوارها العملية خدمة لتلك القضية أو عملا ضدّها.
وتتجلّى المفارقة كأوضح ما يكون في دور بلدين ينتميان إلى نفس الفضاء الجغرافي والحضاري ويتقاسمان الكثير من المشتركات، لولا أنّ طريقتهما في التعاطي مع قضية التشدّد والإرهاب وما يستتبعها من تأثيرات على استقرار الدول وأمنها تفرّق بينهما بشكل كامل وتضعهما على طرفي نقيض.
ويتعلّق الأمر بكلّ من دولة الإمارات العربية المتّحدة ذات المواقف المبدئية الواضحة من الحركات المتشّدة والتنظيمات الإرهابية، وصاحبة السياسات الثابتة في محاربتها والتصدّي لها بطرق ووسائل متعدّدة أمنية وعسكرية وفكرية، وقطر التي تحوّلت إلى نصير للمتشدّدين والإرهابيين، وسخّرت لهم مقدّراتها المالية الكبيرة وجعلت من أراضيها ملاذا لكبار قادتهم ورموزهم وفتحت لهم منابرها الإعلامية للترويج لأفكارهم.
وأبرز مقال للسفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، نشرته صحيفة واشنطن بوست الدور القطري المضاد لجهود حماية الأمن والاستقرار التي تنخرط فيها الإمارات بشكل عملي بالتعاون مع قوى إقليمية ودولية، موضّحا بالاستناد إلى عدد من الوقائع على الأرض مظاهر السياسة القطرية الممنهجة في التمكين للمتشدّدين والإرهابيين بالتعاون مع من يدعمهم ويقف خلفهم وعلى رأسهم إيران.
واتّخذ العتيبة مما يجرى باليمن خلال السنوات الماضية مدخلا عمليا للمقارنة بين الدورين الإماراتي والقطري. وفيما كانت الإمارات تتصدّى ضمن تحالف عسكري تقوده السعودية لميليشيات الحوثي التي انقلبت على الحكومة الشرعية وغزت أجزاء من اليمن، بالتوازي مع التصدّي لتنظيم القاعدة ومنعه من استغلال الوضع والتمركز في مناطق حساسة من الأراضي اليمنية على رأسها مدينة المكلاّ الساحلية مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن، لم تكن قطر ضدّ الحوثي ولا ضدّ القاعدة بل حاولت دعمهما لعرقلة جهود التحالف.
وذكّر السفير في مقاله بمقتل إبراهيم العسيري صانع القنابل في تنظيم القاعدة ومدبّر عدد من الهجمات ضد أهداف دولية وأميركية، وذلك في غارة جوية باليمن عُدّت أهمّ عملية استهداف لإرهابيين منذ مقتل زعيم التنظيم المتشدّد أسامة بن لادن، مشيرا إلى أنّ نجاح العملية جاء نتيجة تعاون استخباري وثيق بين الإمارات والولايات المتحدة.
وقال العتيبة في مقاله إنّ “الحملة المكثفة التي قادتها الإمارات العربية المتحدة على الأرض اليمنية أدّت إلى مقتل أكثر من ألفي متشدّد وإزالتهم من ساحة المعركة، بالإضافة إلى تحسين مستويات الأمن، والمساهمة بفاعلية في توصيل المساعدات الإنسانية والإنمائية إلى مدينة المكلاّ الساحلية وغيرها من المناطق المحررة”.
وأشار إلى تضادّ الدورين الإماراتي والقطري بالقول “في تناقض صارخ للموقف القطري، تكافح دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، تماما كما فعلنا ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان، وحركة الشباب في الصومال والدولة الإسلامية في سوريا”، مضيفا “قبل ثلاث سنوات فقط، كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يسيطر على ثلث مساحة اليمن، وكانت عناصره تمثل مصدر ترهيب كبير لليمنيين، وكانت تخطّط للمزيد من الهجمات ضد الأهداف الأميركية والدولية. أما اليوم فقد ضعف التنظيم ووهنت قوّته إلى أقل مستوى له منذ عام 2012، غير أنه للأسف فإن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لا يمثل التهديد الرئيسي الوحيد في اليمن. فالتهديد الأكبر الآخر يتمثل في إيران وجماعة حزب الله والحوثيين الذين يقفون وراء الأزمة الحالية في اليمن”.
وللمفارقة وجه آخر يجليه مقال السفير عبر إشارته إلى الدعم الكبير الذي تقدّمه إيران للحوثيين في شكل معدات وتقنيات عسكرية متطورة من بينها الصواريخ الباليستية التي يوجّه بعضها نحو مناطق سعودية مأهولة بالسكان، بينما تحوّلت قطر إلى نصير لإيران ومساعد لها على مواجهة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة بسبب سياساتها المهدّدة للأمن الإقليمي والدولي.
ويقول العتيبة في هذا الباب “في الوقت الذي تلعب فيه دولة الإمارات دورا رائدا في الكفاح ضد التطرف والعدوان، فإن الآخرين يقومون بتمكينه وإطالة أمده. وفي الوقت الذي شددت فيه الولايات المتحدة العقوبات على إيران بسبب تدخلها في اليمن وعبر الشرق الأوسط، برهنت قطر مرة أخرى على موقفها المتساهل مع التطرف الإسلامي. واتصل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر بالرئيس الإيراني حسن روحاني ليعرض دعما قطريا موسّعا على صعيد التعاون في مجال النقل البحري إلى جانب تقديم حزمة من الاستثمارات وعقود البناء”.
ويعرض صاحب المقال لنماذج عن الدعم القطري المباشر للمتشدّدين والإرهابيين قائلا “إنّ التواطؤ القطري آخذ في التمدّد، وكما ذكرت صحيفة واشنطن بوست في أبريل الماضي، فإن قطر دفعت فدية بمئات الملايين من الدولارات مباشرة إلى الحرس الثوري الإيراني وغيره من المتطرفين لإطلاق سراح أفراد من العائلة المالكة”، الذين كانوا قد اختطفوا بجنوب العراق من قبل عناصر ميليشيات شيعية تابعة لإيران.
وفي اليمن – يشرح السفير في مقاله – “قدمت جمعية عيد الخيرية في قطر الملايين من الدولارات لزعيم القاعدة في جزيرة العرب، عبدالوهاب الحميقاني، الذي كان يعمل في السابق بوزارة الشؤون الدينية في قطر”.
وعن الدعم الإعلامي القطري للمتشدّدين والإرهابيين وفتح المنابر القطرية لهم للدعاية والترويج، يقول السفير العتيبة “تمثل شبكة الجزيرة الإعلامية المملوكة للدولة القَطرية، البوق الإعلامي الأكثر إثارة للتطرف في المنطقة، في حين يتمتع الأشخاص الذين وضعتهم الولايات المتحدة والأمم المتحدة على قائمة الإرهاب بملاذ آمن في الدوحة”.