البرلمان التونسي وأزمة غياب المراقب والمشرع تقرير خاص

الجمعة 30 نوفمبر 2018 22:51:17
"البرلمان التونسي" وأزمة غياب المراقب والمشرع "تقرير خاص"







شهدت الجمهورية التونسية توترات كبيرة خلال الفترة الماضية، جعلت المشهد السياسي غير متزن، ما أرجع البعض السبب إلى وجود فجوة بين أطراف السلطة في البلاد، وانعدام التوازن بين السلطات الثلاث "التشريعية والتنفيذية والقضائية" ما أحدث خللاً معالجته شرطاً أساسياً لعودة الاستقرار في تونس.
ويأتي البرلمان التونسي في مقدمة المؤسسات التي تشهد أزمة حادة في البلاد، والذي تسبب ضعفه في إحداث فجوة رقابية وتشريعية، نتيجة عزوف الكثير من النواب عن حضور جلسات البرلمان، والمشاركة في أشغال اللجان والجلسات العامة، وهو ما أدّى إلى تعطيل تمرير العديد من مشاريع القوانين والتشريعات.
وحضر الجلسة البرلمانية، التي خصّصت للنظر في ميزانية وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي اليوم الجمعة، 23  نائبًا فقط من أصل 217، الأمر الذي دفع النائب الأول لرئيس البرلمان عبد الفتاح مورو، إلى رفع الجلسة مؤقتًا.
من جانبه قال نزار مقني المحلل السياسي التونسي في تصريح لـ"المشهد العربي"، أن تونس عانت لمدة عقود من الدكتاتورية التي ترسّخت بسبب انعدام التوازن بين السلطات الثلاث ”التشريعية والتنفيذية والقضائية” وانعدام الرقابة بينهم نظرا لإمساك شخص واحد لكلّ هذه السلطات في شكل نظام رئاسي. 
وتابع "مقني"، أن أعضاء المجلس التأسيسي عملوا على ضمان التوازن بين هذه السلطات من أجل تأسيس نظام ديمقراطي يغلق الباب أمام أي محاولات فرديّة ” للتغوّل”، غير أنّ ما تمّ التنصيص عليه في هذا الدّستور بخصوص تنظيم السلطات كان ينقصه الوضوح لدرجة عدم قدرة بعض الخبراء على تحديد نوع نظام الحكم في تونس.
بدوره أشار المدون والناشط المدني زياد الحاجي، إلى أنّ “البرلمان التونسي أصبح يشبه مسرحية رديئة، بالنظر إلى مشاهد المقاعد الفارغة التي تنمّ عن استهتار النواب، الذين لا يلتزمون بالحضور سوى في الجلسات التي تناقش زيادة رواتبهم المنتفخة،” وفق تعبيره.
من جهته أرجع رئيس منظمة “بوصلة”، غير الحكومية سليم خرّاط، تفاقم هذه الظاهرة إلى نقص الوعي لدى النواب بأهمية دورهم في نظام شبه برلماني، معتبرًا أنّ بعضهم “مازال يتعامل مع الحضور بعقلية برلمان الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي كان دوره صوريًّا وأشبه بغرفة تسجيل لا أكثر”.
وأضاف في تصريحات صحافية، أنّ “النظام الداخلي للبرلمان يتضمن تسليط عقوبات في حالة غياب النائب لأكثر من 3 مرات دون مبرر، لكن تنفيذها لا يتم بالصرامة المطلوبة وتُفعّل فقط عند تسليط الضوء على الظاهرة من قبل وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية.
وتابع خرّاط قائلًا: “إنّ النظام الداخلي لا يفرض تفرّغ النائب لعمله البرلماني، وهي ثغرة استغلها عدد من الأعضاء الذين يعملون في قطاعات المحاماة والطب وغيرها، لمواصلة ممارسة وظائفهم الأصليّة”، وفق تعبيره.
وأضاف أنّ “النائب التونسي لديه واجب زيارة المحافظة التي انتخبته لمدة أسبوع شهريًا، وهو ما يسبّب مشاكل للنواب الذين ينحدرون من المحافظة البعيدة عن العاصمة، للتوفيق بين دوره التمثيلي ودوره التشريعي”.
وكشف آخر تقرير دوري لمنظمة “بوصلة” أنّ معدل الغياب للنواب يختلف حسب الأشهر، وتتراوح نسبه بين الـ20%، لتتجاوز في بعض الأحيان عتبة الـ44%، وهو ما سبّب إرباكًا كبيرًا لجدول أعمال البرلمان.
وقدمت منظمة تونسية مقترحاً بفرض عقوبة على النواب الذين يغيبون عن جلسات البرلمان، فيما لاقت تهكماً كبيراً بسبب قلة قيمة الغرامة التي وسلت إلى  4 دنانير (دولار ونصف) على من يتغيب.
وأكدت نسرين جلية المديرة التنفيذية لمنظمة “بوصلة” المتخصصة بمراقبة العمل البرلماني، أن رئاسة البرلمان اقتطعت 81 دينارا (29 دولار) من أجر 20 نائبا تغيب بدون عذر عن جلسات البرلمان.
وأشارت إلى أن البرلمان يقتطع 4 دنانير فقط (دولار ونصف) من أجر كل نائب غائب، داعية إلى الاجتهاد أكثر في هذه المسألة.
وقبل أيام لجأ نائب تونسي إلى أسلوب “طريف” للتعبير عن امتعاضه من الغياب المتكرر لوزير الشؤون الاجتماعية عن جلسات المساءلة في البرلمان، حيث أحضر “دمية” لمساءلتها عوضا عن الوزير، الذي قال إنه تغيب عن الجلسة “خوفا من أسئلتي التي لا يملك إجابة عليها”.
وتسير تونس باتجاه الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في 2019، وسط ضبابية المشهد السياسي العام، نتيجة التجاذبات الحادة بين القوى السياسية، خصوصا بين حركتي "نداء تونس" و"النهضة".