رأي المشهد العربي
تكسب زيارة رئيس المجلس الانتقالي، اللواء عيدروس الزبيدي، اليوم الثلاثاء، إلى العاصمة الروسية موسكو أهمية بالغة، إذ أن الدعم الروسي لقضية الجنوب يعد الخطوة الأهم في طريق انتصار قضية الجنوب، بما يضمن لأبناء الجنوب نيل الاستقلال، والذي سيكون بتأييد روسي وبريطاني وستلحق بهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد الوجهة القادمة لرئيس المجلس الانتقالي.
ولكن بالنظر إلى الزيارة الحالية التي جاءت بدعوة رسمية من الخارجية الروسية، فإن الزبيدي يحمل على كتفه أحلام شعب الجنوب الساعية للاستقرار بعد سنوات من الظلم والإرهاب، وبالتالي فإنه يسعى إلى تكوين تحالف استراتيجي مع موسكو يدفع بتحريك قضية الجنوب في مجلس الأمن، على أن يكون هناك علاقة مميزة مع موسكو تساهم في تثبيت أركان دولة الجنوب سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
ويعد الرئيس الزبيدي أول طرف جنوبي منذ ١٩٩٤ تتم دعوته رسميا لدى خارجية دولة عظمى وهو يحمل ويمثل جوهر قضية الجنوب ويطرحها على طاولة البحث كحقيقة وحق لا يقبل إلا التعاطي معه، وهو ما يأتي بالتوازي مع الرغبة الروسية في تتويج علاقاتها المتنوعة والمتينة بالعديد من بلدان المنطقة العربية من خلال التقارب مع قيادة الجنوب.
وهناك مكاسب وأهداف أساسية عديدة من وراء تلك الزيارة بعضها يرتبط بالمجلس الانتقالي، والآخر يرتبط بالدب الروسي، وإذا نظرنا إلى مكاسب الانتقالي فإنها تعد مرتكز لتأسيس شراكة حقيقة مع دول تمثل ثقلا دوليا كبير كبريطانيا وروسيا، وتثًبت أركان العلاقات الجنوبية الإقليمية الدولية بعد أن ضلت طريقها على مدى سنوات الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية التي عملت على تدمير جميع مقومات الدولة الجنوبية شريكتها بمسمى الوحدة المشئومة وبقوة النار.
أما ثاني المكاسب بالنسبة للانتقالي الجنوبي، فترتبط بموضعه السياسي الدولي، لأن زيارتيه إلى دولتين مؤثرتين خلال شهر واحد يعني أنه أصبح رقما مهما على الساحة السياسية مؤخرا، بالتوازي مع حراك دبلوماسي ناجح على المستوى الخارجي، إلى جانب حراكه المحلي من خلال الاهتمام بمجالات سياسية واجتماعية محليا بالساحة الجنوبية.
ولعل ما يبرهن على هذه النجاحات أن الطرف الأخر في الجهة المعادية للمجلس وللمشروع الجنوبي بشكل عام يقوم بتحركات هسترية سعيا لإفشال الإنجازات القائمة على الشأن الجنوبي والتي تحققت بجهود المجلس الانتقالي.
وتحقق الزيارة الحالية للرئيس الزبيدي مكاسب عديدة على المدى البعيد، من خلال الاعتماد على روسيا في مشروعات النفط والغاز والثورة المعدنية، وهي ثروات طبيعية بحاجة إلى حليف دولي يمتلك القدرات الاستكشافية الحديثة، ولديه القوة العسكرية ونفوذه الدولي والإقليمي لتحويل الحلم الجنوبي إلى حقيقة.
وعلى الجانب الآخر فإن روسيا لديها رغبة في معالجة قضية الجنوب وعدم تركها بوضعها الحالي، وهو ما عبرا عنه السفير الروسي لدى اليمن فلاديمير ديدوشكين، والمندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلينيبنزيا، واللذان شددا على أهمية معالجة قضية الجنوب، في الوقت الذي تجاهلت قوى عظمى أخرى مطالب الجنوبيين.
وفي تقرير صادر مؤخرا عن المجلس الروسي للشؤون الدولية نوه إلى الاهتمام الكبير القديم من روسيا بالجنوب، إذ أن الاتحاد السوفيتي نظر إلى الجنوب في الفترة من عام 1967 إلى عام 1990 كأكبر حليف في الشرق الأوسط.
ونبّه المجلس إلى أن ميناء مدينة عدن استضاف قاعدة عسكرية سوفيتية ضخمة في البحر الأحمر، فضلاً عن المساعدات التي قدمتها جزيرة سقطرى لعمليات الانتشار البحرية السوفيتية في هذه المنطقة المهمة استراتيجياً.
وفي إشارة إلى العلاقات الوثيقة بين الاتحاد السوفيتي سابقاً مع الجنوب، ذكر المجلس أن آلاف الجنوبيين درسوا في معاهد تعليمية سوفيتية، وسافر باحثون سوفييت إلى المنطقة بأعداد كبيرة، مؤكداً أن هذه العلاقة الخاصة مستمرة حتى اليوم.
وشكلت علاقة الدولتين نموذجا فريدا في المنطقة، وامتدت لأكثر من عقدين من الزمن، امتزج خلالها الشعبين بعلاقات متينة وذلك أن عشرات الآلاف من الطلاب الجنوبيين المدنيين والعسكريين وجدوا في موسكوا منهلا للتحصيل العلمي، كما أن عشرات الآلاف من الروس تواجدوا في مدن الجنوب كخبراء عسكريين، ومدراء وعمال تقنيين وفنيين على امتداد المؤسسات الجنوبية.
تلك العلاقات الرسمية والشعبية لازالت عالقة في ذاكرة رجال السياسة والقرار في موسكو، وهو ما عبر عنه مستشار الرئيس الروسي السابق، برجنيف، لقناة “روسيا اليوم” أن الجنوبيين أصدق شعوب العالم، وتجربة الاتحاد السوفياتي معهم كانت فريدة من نوعها، وكان الجنوب أقوى حلفائنا في المنطقة”.
وقال أحمد عمر بن فريد ممثل المجلس الانتقالي في دول الاتحاد الأوروبي، إنه على الرغم من أن التآزر الأيديولوجي الذي ربط الاتحاد السوفييتي بالجنوب لم يعد قائماً، إلا أن المجلس الانتقالي يشكل مساراً ثابتاً نحو علاقات جيدة مع روسيا، لافتاً إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي يحتفظ بمكتب في العاصمة الروسية موسكو لتوطيد العلاقات مع صانعي السياسات الروس.
وأشار بن فريد إلى شرعية الطموحات الجنوبية، وقدرة الجنوب على وضع سياسة خارجية مستقلة،والتزام المجلس الانتقالي الجنوبي بإقامة دولة جنوبية، معرباً عن امتنانه للمساعدات التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة.