الدولة اليمنية بين الشركة والشراكة

مجموعة الأنظمة الاستبدادية غير الناضجة التي تنتمي إليها اليمن ليست مستقلة، وغالبية نخبتها السياسية دون مستوى الوعي السياسي والاقتصادي، وتنشط أساسًا هذه النخب من خلال مجموعات رسمية وغير رسمية قبلية وسياسية راعية للزبائن في الداخل والخارج، تهتم أساسًا بتحقيق مصالحها الخاصة، باستثناء قلة بعدد أصابع اليد الواحدة دائما ما تملك الضمير والوطنية، أما البقية الأكثرية من النخبة المشاركة في سياسة الدولة تتم المنافسة الداخلية بين مجموعاتها عن طريق شبكات العملاء وعن طريق الكفاح السري لتجنيد الأفراد التابعين لها في مناصب مهمة من أجل الحفاظ على مجالات النفوذ والموارد والملكيات.

في الشمال والجنوب قبل وبعد الوحدة تم تشكيل نظام تمثيلي استبدادي من أجل ضمان السيطرة على المجتمع ووضع حد للمجموعات المنافسة، وحتى القنوات الرئيسية تم السيطرة عليها من مجموعة ضيقة اجتماعية وسياسية في السلطة للتعبير عن مصالحها وهي اليوم من تدير النظام في اليمن عبر شركات استبدادية من النوع “الشامل”، معترف بها من قبل النخبة الحاكمة باستقلاليتها وبمصالحها فقط إلى الحد الذي لا تهدد فيه هيمنتها وتحاول مواءمة مصالحها التي تتحقق من خلال التفاوض أو دمج المجموعات في النظام الاقتصادي والسياسي حتى ولو على حساب اختلاط المصالح والاتجاهات العلمانية بالإسلامية المعتدلة والمتطرفة منها، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى وجود أشخاص من رجال الأعمال وشخصيات سياسية وقبلية متصاهرة عائليا وسياسيا في الفروع التنفيذية والتشريعية للدولة لها تأثير قوي على صنع القرار في الدولة تُحرم وتوقف مصالح العديد من قطاعات المجتمع اليمني بالذات الجنوبية من الحركة والتطور وحتى من الوصول إلى قطاعات مثل قطاع القنوات الرسمية للتأثير السياسي والاجتماعي (وسائل الإعلام الحكومية، والسلطات المحلية، والبرلمان، والحكومة... إلخ).

الدولة اليمنية الحالية تمت خصخصتها من قبل مجموعات بيروقراطية وزبائن وقبائل وعشائر ومجموعات تجارية كبيرة سقطت في أيديهم السلطة والممتلكات، هذه المجموعات الفاسدة والسيئة لا تحترم حقوق الشعب والملكية وهي فوق القانون وغير مهتمة بالتحديث وترغب فقط في الحفاظ على احتكارها للسلطة والملكية والاقتصاد وتعد واحدة من أهم العقبات الرئيسية التي تحول دون انتقال البلاد حتى آلان إلى التنمية وإلى ديمقراطية حديثة واقتصاد سوق تنافسي، وفي نفس الوقت تسعى من خلال الدولة إلى خلق منظمات غير حكومية وسياسية، تدعم بشكل خاص المسار السياسي للنظام الحالي وجماعته في تجمع واحد للمصالح والأحزاب السياسية يشبه إلى حد بعيد تشكيلة النموذج الشمولي مع استبعاد القوى السياسية ذات النكهة الجنوبية الفاعلة من عملية صياغة سياسة الدولة وتوجهاتها، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لضعف العمل المؤسسي والسياسي في البلاد جعل النظام السابق والحالي صوريا وباهتا منفصلا عن الشعب وغير تنافسي في ظل برلمان تابع للسلطة وخلافات ظاهرة ومخفية بين النخب السياسية على مفهوم الشراكة والشركة أوصلت البلاد إلى طريق مسدود وصراعات داخلية مزقت الجغرافيا والإنسان.

مرض قلة الوعي الوطني الذي تعاني منه أكثرية في النخبة السياسية اليمنية ظهرت أعراضه على طبقة من الشعب تعاني من نفس حالة النخبة، التي تريد البقاء في الحكم باسم الشركة دون الشراكة وإدارة الداخل من الخارج ولا تحب مبدأ تداول السلطة سلميا، تريد احتكار السوق ولا تريد التنمية والمنافسة والمواطن، كذلك يريد عملا مؤسساتيا ولكن مع بقاء الرشوة، يريد التعليم ولكن مع الغش، يريد كهرباء وماء دون دفع فواتير، يريد النظافة مع رمي القمامة أمام منزله أو جاره وعند بوابات المساجد والمستشفيات وفي زاوية كل شارع، يريد المال ولا يريد العمل، يريد الأمن والأمان مع خروقات للقانون والنظام بالألوان.