السياسيون الذين اختشوا ماتوا

منصور صالح

يتساءل الناس في عدن - وللغرابة فإن معظمهم يعرف الإجابة - لماذا تهرب الحكومة ومن تسمي نفسها سلطة شرعية من المدينة وقت الشدائد، وتغسل يديها عن أي مسؤولية تقع على عاتقها وكأنها غير معنية بشيء.

وفي المقابل، لماذا يرى الأعمى قبل المبصر هذه الحكومة وهي تسابق كل سفينة أو طائرة محملة بشحنات المليارات القادمة من مطابع روسيا إلى عدن، لتحتضن بشوق ولهفة صناديق النقود الجديدة، وتسهر عليها كسهر الأم على وليدها الرضيع، ولا يغمض لها جفن إلا بعد أن تكون قد اطمأنت أنها حولت معظم هذه المليارات إلى عملة صعبة، وأودعتها في حسابات ومصارف مأمونة في الخارج بدلاً من بنوك الداخل المهددة بالإرهاب، وبثورة الجياع الذين ينظرون إلى هذه المليارات نظرات مرعبة متوحشة؟

في عدن والجنوب يمنّي الناس أنفسهم ولو بتذكر موقف واحد للحكومة وللشرعية المزعومة، أظهرت فيه ومن خلاله فعلاً تضامنها معهم ومع معاناتهم، منذ تحرير المدينة قبل ما يزيد عن عامين وحتى اليوم، مع ما شاب ذلك من وجع ومرارة ومعاناة.

بل يعتقد هؤلاء الناس أن لهذه الشرعية دوراً ويداً في صنع هذه المعاناة، وزيادة هذه المتاعب، اعتقاداً منها - الحكومة - أنها بتعذيب الناس وتجويعهم وتخويفهم تدفعهم للثورة على خصومها السياسيين.

ومن كثرة ما لاقوه وما رأوه من عبث واستهتار لدى هذه الشرعية، فقد تكون لدى قطاع واسع من الناس اقتناع لا يقبل الشك بأن حكومة وشرعية كهذه عديمة الاحساس والمشاعر بآلامهم. لم تخجل وهي ذاهبة للسهر والرقص في شارع الهرم في أوج محنة انقطاع الكهرباء في صيف عدن اللاهب قبل أشهر، و للسياحة في شرم الشيخ يوم أمس الأول، وهو اليوم الدامي الأسود الذي قُتل فيه ما يقرب من ثمانين جندياً ومواطناً في تفجير إرهابي. هي حكومة في فقه السياسة والأخلاق لا تنتمي ولا تستحق الانتماء إلى هذا الشعب وادعاء تمثيله.

في كل العالم المحترم، وفي حالة الحكومات المحترمة التي تخجل من ذاتها ومن شعبها، فإن نصف ما مر به الناس وعانوه وليس كل ما حدث من مصائب وويلات، كفيل وكاف بأن يدفع طاقم هذه الحكومة للانتحار خجلاً، وليس فقط الاستقالة والاعتذار للشعب. لكن، ولأننا أمام حكومة وسلطة لا تخجل، فقد كانت الكارثة وقمة الوقاحة أن الحكومة، وبدلاً من قطع زيارتها للخارج ومحاسبة الوزراء المقصرين وفتح تحقيق شفاف وإعلان نتائجه للناس حول هذه الجرائم، وآخرها جريمة استهداف إدارة البحث الجنائي في أمن عدن، فقد انحلت عقدة لسان مهرجي هذه الحكومة ليقولوا للناس، وبلغة تهديد هي أشبه بالاعتراف الضمني بالوقوف خلف هذه الجرائم: اذا استمريتم في التصعيد وانتقاد الحكومة فسيحصل لكم مثل هذا وأكثر.

الخلاصة المرة التي توصل إليها الناس في الجنوب وعدن هي أن الله ابتلاهم بحكومة وسلطة لا أخلاق ولا قيم لها، ولذلك فهي لا تتوانى عن قول أو فعل أي شي، وأن معظم السياسيين المسلطين عليها هم سياسيون بلا ضمير ولا يشعرون بالخجل من أفعالهم مهما كانت مدعاة للخجل، وأن السياسيين المحترمين أو الذين «اختشوا» قد ماتوا منذ زمن وارتاحوا وأراحوا الناس.

 


مقالات الكاتب