المؤتمر ذئب في جلد حمل

منصور صالح

منذ ما يقرب من الشهر، يتصاعد عويل قيادات حزب «المؤتمر الشعبي العام»، مما يطالهم من إجراءات حركة الحوثيين في صنعاء، مصورين ما يحدث معهم، وكأنه بدعة جديدة، وسابقة في عالم السياسة لم تحصل من قبل.

فجأة، تعالت أصوات المؤتمريين بالعويل والنواح لتجأر بالشكوى، بأنهم مظلومين، وأنهم يتعرضون لعمليات قمع وسجون ومصادرة لحرياتهم السياسية والديمقراطية والقانونية. 

في ليلة وضحاها، وبعد مقتل زعيمهم، تعرَّف المؤتمريون، على معنى الظلم والقمع ومصادرة الحقوق وتهميش الآخرين، واستحضروا الدستور والقوانين، وبحثوا في قواميس اللغة عن معنى العدالة والحرية والمساواة وتكميم الأفواه.

فجأة، تذكر المؤتمريون كل ذلك، وتناسوا أنهم هم من شيد السجون، واخترع الظلم والقمع والتهميش، وهم من داس على الدستور، وفصلَوه على مقاس زعيمهم ونجله، وعبر برلمانهم العريض المنتخب بالتزوير، إذ تعرض دستور دولة الوحدة، لوحده وبتوجيهات مؤتمرية، لتعديل ما يزيد عن 80 % من مواده، وصولاً إلى قلع العداد لضمان استمرارهم في حكم البلاد ونهبها إلى أمد غير محدد.

خلال شهر منذ مقتله، تواصل عائلة صالح ومناصروه، الشكوى من اقتحام منزله، ومصادرة أموال طائلة، وأفلام فاضحة، صوّر بها خصومه الساسيين في أوضاع مهينة لإذلالهم واستعبادهم وتحويلهم من قيادات سياسية وشركاء عمل، إلى أصنام لا تجيد إلا التسبيح بحمد الزعيم.

وتناست العائلة والمناصرين، أن صالح وجنوده اقتحموا الجنوب، ونهبوا البر والبحر، وقتلوا في عدن ولحج وأبين والضالع، النساء والشيوخ والأطفال، وخلال ربع قرن من حكمهم، أذلوا الشرفاء والمناضلين بصورة لم يسبق أن حدثت بين رئيس، ومن يفترض وفق الدستور والقانون أنهم شعبه.

ومما يضحك، أن يشكو مهدي، مقولة أن الحوثيين دخلوا بيته، ونهبوا آثاراً ولقىً ومقتنيات وتحفاً، لا يُفهم لماذا هي موجودة أصلاً، في بيت قائد عسكري أميّ، لا يميز بين لم ولن، وكل مؤهلاته أنه من سنحان ومخلص لصالح.

وتناسى مقولة أنه حين دخل الجنوب على ظهر دبابة،باشر بنهب مساحات من الأراضي، تفوق مساحتها دولة خليجية شقيقة، بعد أن تم قياسها بالكيلومتر، ناهيك عن استمتاعه بالأمر والنهي على المحافظات الخاضعة لسيطرة منطقته العسكرية، وقمعه لأنشطة وفعاليات الحراك الجنوبي السلمية.

منذ الشهر تقريباً، يسعى المؤتمريون (بفهلوة)، لتقديم أنفسهم كحزب سياسي عريض مؤثر، متناسين أنهم هم من أفسد الحياة السياسية، باستخدام أموال الدولة، وهم من خرّب التجربة الديمقراطية بالتزوير، والتنقل بالألوية العسكرية الخاضعة لهم، من منطقة إلى أخرى، لضمان حسم الانتخابات لصالحهم، وهو ما كان من نتائجه مثلاً، أن خسر دكتور جامعي الانتخابات، أمام مقوت مؤتمري في إب.

منذ شهر تقريباً، يتباكى المؤتمريون - وهم حزب الفساد الذي لا يستطيع أن يعيش خارج الحكم، وبعيداً عن خزينة المال العام -على الدولة ومؤسساتها، ويتناسون أنهم هم عدو مشروع الدولة الأول، الذي جاء يحمله الحزب الاشتراكي عند إعلان الوحدة اليمنية في مايو 90م، وهم من أضاع الدولة وخرَب المؤسسات، وعمم الفساد وأفشى الظلم والفقر والجوع.

يقيناً أن الحوثيين لا يمثلون مشروع الدولة التي تحفظ كرامة اليمنيين، لكن المؤتمر ليس نموذجاً سياسياً محترماً يستحق أن يسعى الجميع لإحيائه وبث الروح فيه، بل هي فرصة للتخلص منه كتجربة سلبية، مع حق الشرفاء من أعضائه في ترتيب أنفسهم في كيان آخر، يبعد أنهم شبهة الفساد والفوضى، وشهوة نهب المال العام والخاص معاً.


مقالات الكاتب