المجلس الإنتقالي الجنوبي واستحقاقات المرحلة القادمة

فرج طاحس

 في الوقت الذي نعبر عن حزننا وألمنا على  أؤلئك الرجال الذي سقطوا من كلي الطرفين في المواجهات بين قوات المجلس الإنتقالي الجنوبي وبين قوات الحماية الرئاسية في معارك الأيام الماضية ، في  عدن العاصمة الحبيبة ، بسبب الدفاع عن حكومة فاشلة فاسدة ، تفننت في تعذيب المواطنين  وتجويعهم وإذلالهم بأساليب شتَّى ، تارة عن طريق تردي  الخدمات واهمالها المتعمد ، خدمات المياه ، الكهرباء، الصحة ، المشتقات النفطية، وتارة أخرى عن طريق تاخير دفع مرتبات  الموظفين العاملين والمتقاعدين ، المدنيين والعسكريين، لشهورعدة ، وسرقة الأموال وتهريبها للمتمردين الانقلابيين في صنعاء ، بالإضافة إلى زرع الفتنة وخلق الانقسامات في صفوف الجنوبيين ، مثل هذه الحكومة للأمانة  لايُشَرِّف أحد أن يدافع عنها، لكن للأسف الشديد  الحسابات الحزبية الضيقة والولاءات ، هي بالتأكيد مَنْ أوصل الأمور إلى ماوصلت  إليه من إراقة للدماء وأن يرفع  الجنوبي  السلاح  في وجه أخيه  ، الذي يشترك  معه في الإنتماء إلى هذا الوطن، الذي طالما عانى أبناؤه من ظلم وتهميش  وقمع وفساد ونهب وقتل، على أيدي  حفنة من المتنفذين السياسيين والعسكريين الذين  سرقوا ثروات الجنوب والشمال ، وكونوا لهم  الثروات والشركات والأموال التي هربوها إلى البنوك في الخارج على حساب آلاف المواطنين الذين يتضورون جوعا ويقاسون شظف العيش ، والبعض يتسول قوت يومه  ويعيشون  على المشاريع الإغاثية ، في الوقت الذي تختزن  البلاد ثروات  وخيرات كثيرة في انتظار الأيدي الأمينة والصادقة التي تتولاها وتضعها في مواقعها الصحيحة . 
 اليوم وقد انتصر المجلس الإنتقالي وجمعيته الوطنية في الجنوب  وأصبح الصوت المسموع ، رغم تلك المحاولات  البائسة والأصوات النَّشاز  التي تحاول أن  تقلل من هذا النصر  وتتباكى على الجنوب  ، وتتظاهر بحبه وحرصها على أمنه  واستقراره ، وهي من يتآمر عليه وعلى قضيته مقابل حفنة من الأموال الحرام  المخضبة بدماء الأبرياء والمسحوقين من أبناء هذا الشعب ، الذين سحقتهم الحرب وفساد الحكومة الفاشلة والبارعة في الخداع وتسويق الوهم والكذب وشعارات النفاق والوطنية الزائفة  ، فأنَّ هذا النصر يضع المجلس الإنتقالي وجمعيته الوطنية أمام استحقاقات هامة ومسؤلية تاريخية أمام مواطنيه ، فيماإذا آلت إليه الأمور  ،تتمثل فيما يلي : 
أولاً سياسيا : 
 -  عدم التسرع في اتخاذ أية قرارات سياسية تحدد مستقبل الجنوب ، دون الإتفاق والتنسيق مع دول التحالف العربي ، التي تقود الحرب ضد الإنقلابيين الحوثيين ، وضمان موقف دولي وأقليمي داعم ومؤيد  
 - التمسك بقوة بإقالة الحكومة وإحالة رئيسها ووزيرداخليته  للتحقيق والمساءلة عن الأحداث التي عاشتها العاصمة عدن  ، ورفض تواجده في عدن وغيرها من مدن الجنوب 
 - التمسك بقوة  بمبدأ التصالح والتسامح     وعدم الإنتقام ، 
 - إصدار قرار بالعفو العام وإطلاح سراح  كل الأسرى الذين تم أسرهم خلال المواجهات المؤسفة تلك . 
- إجراء حوارات مع كل المكونات السياسية  والإنفتاح عليها دون إستثناء .  
ثانيا  : أمنيا وعسكريا: 
كم كان أسفنا وحزننا كبيرا وعميقا أن وُجِّهَ السلاح  إلى الوجهة الخاطئة ، بدلاً  أن يُوَجَّهَ لهزيمة المشروع الإيراني وإذرعه في اليمن والخليج والجزيرة والمنطقة العربية ، الذي يهدد الأمن الإقليمي  والقومي العربي ، ويغذي الحروب الطائفية في المنطقة العربية ، لكن هذا ماأراده الفاسدون والإنتهازيون الذين لايهمهم الجنوب ولا الشمال   ، بقدر ماتهمهم مصالحهم وتربعهم على كراسي السلطة ، حتى لوكان ذلك على حساب أنين الجائعين والثكالى والغلابا . 
 وطالما أن المواجهات انتهت بهزيمة تلك الألوية  ، التي يقال ،بأنها أُنْشِأَت  من أجل الحمايةالرئاسية ، هذه  هي الأهداف المعلنة ، لكن ماخفي أعظم ، فالأسلحة المضبوطة في المعسكرات التابعة لهذه الألوية ،  تدل عاى أن هناك أهدافاً بعيدةً خفية لهذه الألوية .                        
هناك استحقاقات هامة يجب التأكيد عليها من خلال هذه الأحداث في هذا الجانب  :
- يجب الحفاظ على جاهزة المقاومة ووحدتها تحت قيادة واحدة ، فالحرب لم تنتهِ بعد ، ستبدأ الحرب الخفية مع الإرهاب ، حيث ستتحرك  فرق الموت والإغتيالات للعلماء ورجال الدين  وأئمة المساجد والعسكريين  ، وغيرهم وستبدأ السيارات المفخخة التي تحصد أرواح الأبرياء تنشط كماحصل بعد دحر  عدوان عام ٢٠١٥ م علىى الجنوب ، وتحرير مدينة المكلا ومدن الشريط الساحلي من تلك الجماعات المسلحة ، بعد  أن تخلت عنها المنطقة العسكرية الثانية  وسلمتها للجماعات المسلحة من دون مقاومة تذكر . 
 -  المشروع الإيراني وأذرعه المتمثلة  في الحوثيين وإنقلابهم على السلطة الشرعية ، وتهديدهم لأمن الجزيرة والخليج والأمن القومي العربي لازال قائما ً 
 - التمسك بقوة بأن يتولى الملف الأمني والعسكري أبناء كل محافظة ، لأن هذه التجربة أثبتت نجاحها في حضرموت ، ولاسيما في مدن الشريط الساحلي ، حيث تشهد استقرارا أمنيا وعسكريا ، بفضل قوات النخبة الحضرمية ، ورفض أية قوات من الخارج . 
- العمل على تأهيل أجهزة الأمن والشرطة وأعادة فتح مراكزها في المدن التي أغلقت فيها لحفظ أمن المواطنين ، وإعادة تفعيل نشاط الأجهزة الاستخبارية وغيرها من الأجهزة الأمنية الأخرى 
ثالثاً : - الخدمات : الكهرباء ، المياه ، الصحة ، التربية والتعليم ، وغيرها من الخدمات الأخرى . لابد من الإهتمام بهذه الخدمات ، وإنتشالها من أوضاعها المتردية ، وتحسين أدائها ، فهي التحدي  الحقيقي الذي يواجه أي سلطة . 
رابعا ً:- على مستوى مؤسسات الدولة الإدارية والإقتصادية والإيرادية والمالية : 
 - العمل على تنشيط  هذه المؤسسات وتصحيح أوضاعها بمالحق بها من تخريب ومدها بالكوادر ، إعتمادا على مبدأ الكفاءة والخبرة ، بعيدا عن الحزبية والمناطقية والنظرة الضيقة والولاءات الشخصية والعائلية . 
- تفعيل دور المؤسسات المالية والإيرادية وضبط العمل فيها ، للإيفاء بالإلتزامات المالية 
- البحث عن معالجات  ناجحة ، لوضع حد  لتأخير دفع مرتبات ومستحقات  الموظفين العاملين والمتقاعدين العسكريين والمدنيين 
- تشغيل المواني والمطارات  والمنافد البرية     والبحرية وضبط مواردها وتعزيز الإشراف عليها . 
 لقد فرضت الأحداث الأخيرة في عدن  ، والتي حسمت لصالح الإنتقالي ،  واقعا جديدا سياسيا وعسكريا ، يجب التعامل معه بإيجابية وحكمة من قبل التحالف والرئاسة اليمنية في الرياض ، الذي يجب أن تستثمره للتخلص من اللوبي السياسي والعسكري الذي حولها،  ويتحكم في المواقف والسياسات والقرارات  تجاه الجنوب والتي تتسم دائما بالإستفزاية والعدوانية ، وتوتير العلاقة بين الرئاسة  والجنوب ويتمثل هذا الواقع في : 
 ١- بروز الجنوب بقوة كشريك في الحرب  والسلم ، لاتابع وعاى الجميع  الإعتراف بذلك شاءوا أم أبوا ، في الحرب لإسقاط الإنقلاب وهزيمة المشروع الإيراني ، وفي الحرب على الإرهاب ، وفي السلطة . 
٢- لابد من إقالة حكومة بن دغر وإحالتها للتحقيق عن الجرائم التي ارتكبتها حكومته بحق الجنوبيين ، وتشكيل حكومة كفاءات سياسية وإقتصادية وعسكرية ،تدير الحرب ضد الإنقلابيين وتنقذ البلاد من التدهور الإقتصادي ، يكون المجلس الإنتقالي شريكا فعليا فيها .  
 ٣- الكف عن فرض مشروع الأقاليم  أو الحديث عنه ، والبحث عن صيغة جديدة للعلاقة بين الشمال والجنوب ، تساعد على إنهاء دورات العنف والحروب وإحلال السلام والأمن والاستقرار ، وتقضي على كل عوامل التوتر وكل مامن شأنه إثارة الحقد والضغينة والكراهية بين الطرفين ، وذلك بدعم دول التحالف العربي والمجتمع الأقليمي والدولي . 





مقالات الكاتب