هل سيحافظ جيل اليوم من الحضارمة على قيم الأباء والأجداد
فرج طاحس
- ارفعوا أيديكم عن حضرموت إلى هنا يكفي نقطة نظام
- هل بدأت فعلاً الجياع في الجنوب ؟؟؟
- الجنوب في معادلة الحرب والسلام هل سيكون هو الخاسر ؟
- لماذا الإصرار العجيب على الإبقاء على حكومة بن دغر ؟؟
قديما كانت حضرموت يطلق عليها الأحقاف ، (وأذكرأخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف .... .((الأحقاف الآية ٢١ )) ويذكر بعض المؤرخين ، أن سبب هذه التسمية ، تعود إلى عامر بن قحطان أول من نزل الأحقاف ، فكان إذا حضر حرباً أكثر من القتل ، فصاروا يقولون عند حضوره : حَضَرَ موت ، فصار ذلك عليه لقباً ، ويقولون للأرض التي بها قبيلته ، هذه أرض حضرموت ، وفي التوراة إسم حضرموت : حاضرميت ، وكانت حضرموت موطن عاد وأقيال التبابعة وملوك حمير وكندة .
وقد بلغ الحضارمة في المدنية والحضارة مبلغا لامثيل له في عهدهم ، فقد بنوا القصور الشاهقة وعمّروا المدن الواسعة ، وحفروا الترع والسواقي ، وأنشأوا السدود الضخمة لحجز المياه ، لسقي المرتفعة من الأرض والمنخفظة منها ، وعبّدوا الشوارع وغرسوا الحدائق والبساتين ، وعاشوا في ترف ونعيم .
الحضارمة أكثر شعوب العالم حباً للهجرة ، وَيرٌجِعٌ كثيرمن المؤرخين ذلك إلى طبيعة الحياة القاسية في حضرموت ، وإلى الصراعات القبلية التي كانت محتدمة في تلك الفترة . أما صلاح البكري في كتابه ، التاريخ السياسي لحضرموت ، قال : لقد أخذت هجرة الحضارمة اتجاهين : الاتجاه الأول نحو الشمال ، إلى مصر والإندلس ، العراق ، وغيرها من المدن ، التي كانت مشعلا للعلم ، وذلك بهدف تلقي العلم ، وفعلا برز كثير من العلماء الحضارمة في علوم متعددة ، وتولى البعض منهم مسؤوليات في تلك الدول التي تعاقبت الحكم فيها ، ولعصاميتهم وعبقريتهم نالوا القضاء في دمشق ومصر والإندلس .
الإتجاه الثاني للهجرة الحضرمية : كانت شطر جنوب الهند وسواحل أفريقيا الشرقية ، كانت لغرض تجاري محض ، ولكن بالرغم من اشتغالهم بالتجارة ، فقد نشروا الإسلام بين آهالي تلك البلدان ، وبنوا المساجد والمدارس لتعليم القرآن الكريم ، ولأمانتهم ومعاملتهم الحسنة مع الآهالي ، احترمهم الناس واتخذوهم انصاراواعوانا لهم في شؤونهم الخاصة والعامة ، وكانت كلمتهم مسموعة وأمرهم نافذا ، واختلطوا وتزاوجوا مع شعوب تلك البلدان .
كما كانت للعرب الحضارمة هجرة أخرى عظيمة في تاريخهم ، هي هجرتهم إلى جزر الهند الشرقية ، لايٌعْرَفٌ بالتحديد بدء هذه الهجرة ، ولكن من المرجح أن تكون في أواخر القرن الثامن الميلادي قبل أن يصل إليها البرتغاليون والهولنديون ، وكانت هذه الجزر عبارة عن ممالك أشبه بالإقطاعيات ، الديانة البوذية منتشرة في كل طبقات السكان ، فاستطاع الحضارمة بما أوتو من جلد وصبر وهمة ، وأمانة في المعاملة ، وصدق في القول ، ان يستميلوا إليهم القلوب ويندمجوا مع شعوب هذه البلدان ، الذين يخالفونهم جنسا ولغة ودينا وأخلاقاً وعادات ، فكان من نتائج هذه الهجرة أن تلاشت ديانة بوذا، وقام على أنقاضها الإسلام .
وفي سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، بإكتشاف النفط في الجزيرة والخليج والحاجة إلى الأيادي العاملة ، شد الحضارمة الرحال إلى هذه الدول ، حاملين معهم قيمهم النبيلة ، التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، قيم الصدق في القول والأمانة وعدم الغش في التعامل والإخلاص في العمل ،فكانوا محل ترحاب وثقة هذه الشعوب ، فأسهم الحضارمة المهاجرون في تطوير هذه البلدان وبنائها وتقدمها ، وصاروا من أكبر البيوتات المالية ، التي يشار إليها بالبنان .
هذه السمعة الطيبة التي اكتسبها الحضرمي والثقة ، لم تكن مقتصرة على المَهَاجِر التي وجد فيها الحضرمي، بل حتى في داخل البلاد ، فكان الحضرمي محل ثقة رؤسائه ، أينما حل ونزل، هناك حادثة حقيقية حصلت في معسكر طارق بعدن في سبعينات القرن الماضي ، فيما يعرف حينها بحمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، من المعروف أنه في تلك الفترة كان التجنيد العسكري إجبارياً على كل الشباب لايستطيع أحد الحصول على الوظيفة ، التي كانت في تلك الفترة سهلة ، أو الدراسة إلا بدفتر التجنيد ، الذي يثبت أن المذكور قد أدى الخدمة العسكرية ، مضمون هذه الحادثة التى بكى فيها المجندون الحضارمة ، من المتعارف عليه، أن محطة المحروقات وكذلك الخزنة التابعتين للمعسكر، لايٌوَلَّى عليهما ، إلاَ مجند حضرمي أو عسكري ثابت من أبناء حضرموت هكذا جرت العادة ، بحكم الثقة المطلقة في الحضارم ، لإعتقاد الجميع أن الحضرمي لايمكن له أن يسرق أو يكذب أو يغش أو يغدر ، وهذه الثقة المطلقة ، وضعت عبئا ثقيلا على كاهل كل حضرمي ، بأن يكون حريصا على الحفاظ على هذه السمعة والثقة ، حتى لايٌسِيء إليها أحد ، فتحملوا المسؤولية بإقتدار وأمانة ، وفي احد الأيام بينما كان الجميع داخل المعسكر، فجأة الصفارة ( الزيتي ) تصفر ، هذا يعني أنه طابور ، أو استعداد عسكري ، ثم يتحدث الظابط عن سرقة حصلت داخل المعسكر ، ويتوعد الجميع بالعقاب الشديد ، إذالم يكشفوا السارق ويظهروه ، باعتبار الجميع في نظره مذ نيبين ، وبعد أن أنهى حديثه ، طلب من الحضارم ، الخروج من الطابور ، لقناعته وإيمانه ، بأن الحضرمي لايمكن أن يسرق أويغدر أويخون ، بالتأكيد السارق ،ليس من الحضارمة المتواجدين داخل المعسكر، وحينها دمعت أعين مجموعة من المجندين الحضارمة المتواجدين في هذا المعسكر ، لشعورهم بعظمة المسؤلية الملقاة عليهم ، في الحفاظ على أرث الآباء والأجداد ، المتمثلة في الصدق في القول والأمانة في التعامل وعدم الغدر، التي لم يكن الإضطلاع بها وتحملها هينا ً.
ولكن السؤال المطروح والذي يمثل تحدياً حقيقيا، هل جيل اليوم من الحضارمة قادر على التمسك بهذه القيم النبيلة، التي تركها الآباء والأجداد وحافظوا عليها جيل بعد جيل ، في ظل المستجدات والتحديات التي تشهدها حضرموت بشكل خاص والجنوب بشكل عام ، بعد عام 90 م ، وماأعقبته من أحداث وتطورات محليا وأقليمياً ؟.
لقد اكتسب الحضارمة هذه القيم النبيلة ، التي جعلتهم محل احترام وثقة من يتعاملون معهم في الداخل والمهجر ، بحكم التربية الدينية والبيئة المحافظة التي نشأوا فيها ، حيث تكثر المساجد والمؤسسات الدينية التي تهتم بتربية النشىء الجديد بالتمسك بهذه القيم ، هذاكان قبل التطورات والتغييرات السياسية والفكرية التي شهدتها حضرموت والجنوب منذ عام 1967 م . وبعد قيام الجمهورية اليمنية عام 1990 م ، وما عاشته الساحة الأقليمية والمحلية من حروب وصراعات ، ادت إلى قدوم مجموعات من الناس إلى حضرموت ، أما لاجئين هاربين من جحيم الحرب ، أو مستوطنين ، وكذلك عسكريين وموظفين ، يحملون معهم سلوكيات وأخلاق وعادات تختلف وتتناقض كليا مع عادات وتقاليد أبناء حضرموت، ولاسيما عادة تعاطي القات ، التي انتشرت بشكل كبير بين صفوف الشباب ، وأغرق تجار القات عمدا مدن المحافظة ، بهذه السموم ،لمايحقق لهم مكاسب كثيرة، وأقبل كثير من الشباب ًعلى تعاطي القات بشراهة، لدرجة أنّ عمر الجاوي في تعليقاته الساخرة ، عليه رحمة الله ، قال: الحضارمة لكي يثبتوا يمنيتهم، أخذوا يخزنون بشراهة ، وفعلا صار القات من المشكلات الإجتماعية، التي تهدد القيم والأخلاق، التي يتصف بها الحضرمي ويفتخر بها، فالقات من المعروف أنه لدى كل دول العالم من المخدرات ويٌحَارَبٌ ، إلا في اليمن ، وقبل عام ١٩٩٠ م في حضرموت كان القات من المحرمات، التي يٌعَاقب كل مَنْ يتعاطاه أو يسوِّقَه أو يقوم بزراعته، لكن للأسف الشديد بدلا من الحرص على الابقاء على هذا الحظر، على طريق تقنينه، لما له من أخطار وأضرار صحية ونفسية ومادية، راحت حكومة الوحدة، تتفرج على مايجري من تدمير لحضرموت وقيمها، كنوع من الإنتقام في ظل صمت الشريك، الحزب الإشتراكي وقادته، هناك ظاهرة أخرى انتشرت في حضرموت، وهي أكثر خطورة من تعاطي القات، ألا وهي المخدرات واتخاذ أراضي المحافظة لاتساعها وامتداداتها مع دول الجوار، ممرا لتهريبها إليها، لماتدره هذه التجارة من أموال طائلة، مستغلين غياب الرقابة الحكومية، وأخشى أن يكون هناك عمل منظم وممنهج لتدمير الشباب في المحافظة والقيم النبيلة التي تميز بها إبن حضرموت عن غيره من المحافظات الأخرى، ولايستبعد ان يكون هناك من الشباب مَنْ وقع ضحية لهذه السموم، لاشغالهم عن مشكلات اهلهم ومعاناتهم، حتى يتسنى للمتنفذين سرقة ثروات المحافظة والعبث بها .
ومن المشكلات أيضا التي تهدد إرث الآباء والأجداد وتفسد أخلاق الشباب الحضرمي، وجود عصابات منظمة تستخدم النساء على نطاق واسع للتسول في الاسواق والطرقات العامة، وممارسة الرذيلة على مرأى ومسمع الجميع ، وهنّ لسن من بنات حضرموت ويأتينا من خارجها ، لانعرف السبب الحقيقي وراء هذه الأعداد الكبيرة من المتسولات، هل هي الحاجة الماسة إلى المال، أم أنّ هناك أسبابا أخرى لانعرفها ؟
للأمانة وللتاريخ نقولها : حضرموت مهددة ومستهدفة، في قيمها وكيانها وفي وحدتها، وفي عمقها الحضاري والثقافي وفي أمنها وفي استقرارها، لأسباب كثيرة، أمّا حقدا أوغيرة منها، أوطمعاً في ثرواتها ومكانتها الإقتصادية في البلاد، فعلى جميع أبنائها في الداخل والمهجر، تقع المسؤولية في الدفاع والذود عن ارث الأباء والأجداد والقيم النبيلة، التي عرفوا بها، وميزتهم عن جميع شعوب العالم، وهي الصدق في القول، والأمانة في التعامل، وعدم الغش والغدر، فهذه صفات العظماء والشجعان، والتصدي بقوة وشجاعة لكل السلوكيات والعادات الدخيلة، التي تهدد هذه القيم، وبالأخص ظاهرة تعاطي القات وتجارة المخدرات والترويج لها، وكذلك كل السلوكيات والأعمال المخلة للأدب والحشمة، وأملنا كبير في المؤتمر الحضرمي الجامع وكل شريف وغيور من أبناء هذه المحافظة، في أن تكون لهم وقفة جادة ضد كل الظواهر السلبية، التي تهدد حضرموت وقيمها ووحدتها وأمنها واستقرارها .