الشرق الأوسط في العهدة الإماراتية
هاني مسهور
لم تكن ثورة الثلاثين من يونيو 2013 سوى المنعطف التاريخي الذي تشكل منه الشرق الأوسط الجديد، الحدث المصري حدد المرتكزات الأساسية لشكل التغيير بمقومات السياسة والاقتصاد والأمن، وبمقتضيات الضرورة الطارئة ظهرت المقومات، فللمرحلة تحدياتها التي فرضت كافة الفرص الوجودية، التي تعين على قيادات المنطقة أن تتحرك وفقاً لما تمتلك من الأرصدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
يُنظر إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كقائد لتغيير شكل الشرق الأوسط باعتباره الشخصية التي استجابت بالسرعة القصوى للنداء المصري، نظراً لاستشراف القيادة الإماراتية لما يمكن أن تكون عليه أوضاع المنطقة في ظل تزايد أنشطة تيارات الإسلام السياسي في داخل حواضن مثل إيران أو تركيا، وما وضعته قطر من إمكانياتها لتمرير التيارات الإسلاموية في الدول العربية المركزية، سواء باستهداف مصر أو السعودية.
استشرفت القيادة السياسية الإماراتية الخطر، من خلال الرؤية الواقعية لمستقبل الشرق الأوسط، ومع دخول المنطقة في مرحلة الاهتزازات، كانت الإمارات أكثر دول الشرق الأوسط التي تمتلك احتياطات تمكنها من إدارة المرحلة مهما كانت حادة وصعبة، سقوط الأنظمة العربية لم يكن تغييراً وطنياً بمقدار ما كان تواطئاً لعدة قوى تتوافق على نسج كيانها الإيديولوجي على الجغرافيا العربية.
أحد أهم ركائز القوة الإماراتية يكمن في القدرة على الاستشراف السياسي من خلال عدة طرق منها بالتأكيد المؤسسات ومراكز الأبحاث والدراسات السياسية التي رعتها الدولة، كما أن تكامل المؤسسات البحثية مع مركز القرار أعطى للقيادة الإماراتية القدرة الاستباقية، مع ترسيخ عقيدة الإمارات ناحية الأمن القومي العربي.
وأسهمت أبوظبي مع الرياض في مساعدة القاهرة ليكون يوم الثلاثين من يونيو 2013 نقطة فاصلة في الشرق الأوسط وتوازناته السياسية والاقتصادية والعسكرية، الدور الإماراتي الديناميكي في الشرق الأوسط تواصل واستمر ولعبت الإمارات الدور الوازن في ملفات معقدة كالعراق وسوريا ولبنان ولببيا، بالإضافة للدور المتقدم في اليمن والسودان.
محددات الأمن القومي العربي حددتها مخاطر التدخلات الإيرانية والتركية في الدول العربية، هذه المحددات يتطلب التصدي لها تغيير توازنات الشرق الأوسط فاتخذت القيادة الإماراتية قرار إعلان معاهدة السلام مع إسرائيل لقطع كافة الطرق التي تسلكها إيران وتركيا لتبرير التدخلات في الدول العربية، فإيران تزعم أنها تريد الوصول إلى القدس عبر العواصم العربية، وتركيا تردد ذات المزاعم عبر تحالفها مع تنظيم «الإخوان» الساعي لإسقاط الدول الوطنية العربية لتمرير إقامة دولة الخلافة الإسلامية المزعومة.
الاتفاق الإبراهيمي يعتبر قاطعاً لأوهام التيارات الإسلاموية، وكذلك نقطة تحول في توازنات الشرق الأوسط، كما أن منح الولايات المتحدة لدولة الإمارات الموافقة على شراء طائرات F35 أعطى تغييراً كاملاً لشكل الشرق الأوسط بعد نصف قرن، ظلت فيه إسرائيل الوحيدة التي تحظى بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة.
المهمة الإماراتية في تغيير الشرق الأوسط، ما زالت تتطلب ترسيخاً للتحالفات الاستراتيجية، وبشكل محدد مع محور «الاعتدال العربي»، الذي يبدو من الأهمية طرح فكرة التكامل بين العواصم المركبة لهذا المحور الاستراتيحي، كضامن للأمن السياسي والعسكري والاقتصادي في العالم، خاصة أن السنوات الأخيرة التي شهدت التوتر بين الولايات المتحدة والصين، أثبتت أهمية الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لما تمثله من أهمية اقتصادية لا يمكن التهاون مع استقرارها وثبات الوضع فيها.
عندما تتداول الصحافة الدولية اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد باعتباره زعيماً للشرق الأوسط الجديد، فهي تعني ذلك تماماً لإدراك الأوساط الدولية أن الأدوار المتقدمة لدولة الإمارات هي بالفعل رسمت وترسم شكل الشرق الأوسط على مدى عقود طويلة قادمة، ستكون مرتكزة على التنافسية الاقتصادية، وتجفيف منابع الإرهاب وأفكاره.