ملهم ثورة!
ماجد الداعري
فاجأني قاضي محكمة الصحافة والمطبوعات بصنعاء بسؤال عن معرفتي وعلاقتي بالدكتور عبدالحميد شكري بناءاً على طلب مدعي الحكمة في مستهل إحدى جلسات محاكمتي في الخمس القضايا المرفوعة ضدي من رئيسي الجمهورية والحكومة والأمن القومي ووزارة الداخلية مطلع عام 2009م.
فاستغربت حينها من سؤال كهذا في قضية رأي سياسية كيدية رفعها يومها مكتب رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح بصفته الرئاسية ضدي شخصيا بصفتي الصحفية
فقلت له وابتسامة الجوع والطفش تسبق جوابي.. :علاقتي به علاقة صحفي 'بملهم ثورة'سعادة القاضي..
ليشتاض ذلك القاضي الريمي غضبا وهو يقرع مطرقته تعبيرا عن غضبه من ردة فعلي غير المبالية تجاه سؤاله قائلاً:
انت متهم بتشكيل عصابات مسلحة لمواجهة الدولة وتكدير الأمن والاستقرار وهذه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام طالما وقد أقريت بوقوفك وراء كتابة ذلك التقرير المنشور بصحيفة 'الديار'!
قلت له:نعم أقر بكتابة تقرير صحفي لا حمل سلاح أو أحزمة وعبوات ناسفة والتعبير عن وضع خطير يتطور في الجنوب بفعل الظلم والقهر والاضطهاد سعادة القاضي ولم أقم كما يزعم المدعي بقيادة جماعات مسلحة لمواجهة الدولة التي ينبغي عليها أن تدرك هذه المخاطر وان تستفيد مما كتبنا عن تطورات وتوقعات بصيرورة الجنوب اليها عسكريا عما قريب، في حال استمرت مظالم الناس كما هي بالجنوب..
ليكرر القاضي جملة من أسئلة روتينية تدور حول الهدف والغرض والمقصد والنية والعزيمة التي يسقطها قانون الصحافة والمطبوعات الساري المفعول يومها رقم 25لسنة1990م بمجرد إنكارها وعدم الاعتراف بمقاصدها الجنائية.
ليعود القاضي والمدعي معا تكرار سؤاليهما الملح عن علاقتي بالدكتور الجراح شكري أستاذ المخ والأعصاب بكلية طب جامعة عدن
قبل ان أجد نفسي حينها مجبرا على الرد بحقيقة وجود علاقة تجمعني كصحفي بأول قيادي أكاديمي من ناحية وصديق عزيز لا أتورع حينها انا ورفيق الدرب الذي شرفتي بالتعرف عليه رفيق الدرب الراحل وجدي الشعبي- من التردد عليه بمنزله تارة وعمله وعيادته تارات أخرى للاستعانة بما فتح الله عليه من قروش لمساعدتنا على مصاريف أو قيمة مواصلات او دفع تكاليف مقهى الانترنت الذي نرسل موادنا الصحفية إلى المواقع والصحف التي كنا نعمل يومها كمراسلين لها بعدن.
وعلى قناعة أن مثل هذه التهمة مشرفة له ولا يستحي أو ينكرها .
وبالمقابل لايمكن لصحفي أن يستغني عن شخصية صانعة للحدث بحجم أول أستاذ جامعي تجرأ بكل شجاعة وتضخيه واستبسال على كسر الخوف من القبضة الأمنية لنظام صالح يومها وخرج عن مخاوف وتوجسات كل من حوله ليعلن قيادة أحد أقدم وأبرز قوى وفصائل الحراك الجنوبي المطالبة باستعادة استقلال الدولة الجنوبية المغدورة بحرب صيف عام 1994م وليواصل من يومها نضاله الأسطوري في أكثر من جبهة وساحة ومعترك وطني رغم كل الصعوبات والعراقيل والحرب القذرة التي حاولت أثنائه بالإغراءات تارة وبمحاولة تشويه سمعته وإلصاق تهم طبية مضحكة لاعلاقة له بها من أي ناحية وصلت حد تحميله مسؤولية وفاة حالة مريض بالأسنان وهو طبيب مخ واعصاب وذلك بهدف ارعابه كون الأمر وصل إلى استهداف مستقبله كبريفسور استشاري جراحة مخ وأعصاب يشهد بقدراته الجراحية الفريدة قياصرة روسيا وعباقرة أوروبا ويلمس إنسانيته الآلاف من البسطاء الجنوبيين ممن قرر أن لايغادر يوما مقر عمله قبل ان يعينهم ويتلمس أوجاعهم وأقسم بالله وشرف مهنته الإنسانية العظيمة أن لايسمح بعودة أي منهم خائبا سواء من طريقه أوباب منزله أو عيادته الخاصة أو أي مكان يقابله فيه من يطلب خدمته مجاناً بل ويمنح أدوية للبعض ممن لاتسمح لهم ظروفهم بشراء علاجات وحسب ماتسمح له ظروفه هو نفسه أيضاً،ويشهد الله أني كنت شخصيا- وفي أكثر من مرة - على ذلك لمن الشاهدين.
هاتفته ممازحا قبل سنوات، نهار ذات مساء صنعاني متزامن مع تعيين بحاح رئيساً لحكومة الكفاءات الوطنية،وقلت له مبروك يادكتور بحاح قرر تعيين سعادتك وزير للصحة..
وبسرعة بديهة صبيحة معهودة منه وقناعة راسخة،رد علي واثقاً:قله مش أنا اللي يبحث عن مناصب،قهري عليه قد كان بالأمم المتحدة ينفع أهله الجنوبيين هناك..
قلت له كيف ينفع الجنوب وهو ممثل عن نظام الوحدة يادكتور؟
فقال لي:أنا على ثقة أنه في الأول والأخير أنه جنوبي ولايمكن لجنوبي عاقل أن يخذل شعبه..
قد تختلف كثيرا مع الدكتور شكري ونيران بياناته السياسية الهجومية التي تطال الجميع بمن فيهم من كانوا معه في خندق نضالي جنوبي واحد،لكنك لا تمتلك إلا أن تحترم أسلوبه الراقي ومبررات اختلافه المنطقي في كثير من الأحيان..
قابلته لأكثر من مرة وفي أكثر من منزل بعدن خلال العشر السنوات الأخيرة وفي أحدث لقاءاتي به سألته عن عدد المنازل التي يمتلكها ويتنقل فيها.
ليرد علي بثقة وفي محياه ابتسامة حزينة:ياريت ومعي منزل واحد لي أنا وأطفالي أو حتى شقة من تلك التي أتنقل في استئجارها هربا من أعين أمن عفاش وملاحقات جنوده الأشاوس الذين لم يحترموا حتى المرضى الذين اعتقلت وانا أحاول إنقاذ حياتهم داخل غرف العمليات في أكثر من مستشفى بعدن.
استغربت والله من عدم تمكن طبيب جراح بحجمه وعمره من امتلاك منزل واتهمته بعدم الاكتراث والمسؤولية لكنه أجابني بكل ثقة أنه مايزال يكد ويجمع ثمن منزل وليس له من دخل غير مايحصل عليه من مرتب شهري..
بررت له الأمر وتذكرت أن عمه المرحوم عبدالرحمن شكري كان مديرا للأراضي بعدن والجنوب كلها منذ عهد الاشتراكي وكيف لمثله بمقياس الآخرين أن لايحصل على أراض ومنازل عوضا عن شفة.
وحينها حاولت التبرير لعجزي عن استكمال بيت لأطفالي والتحرر من الإيجار حتى اليوم وقلت لنفسي ما في أحد مرتاح.