«أنتِ كافرة»
هاني مسهور
التقرير الاستقصائي عن أطفال «داعش» في مخيم الهول بشمال سوريا، الذي قدمته الصحفية رولا الخطيب، وضع المجتمع الدولي أمام الحقيقة من دون تزييف واجتهادات للتدخل حول قضية مازالت كثير من دول العالم تحاول التملص من مسؤولياتها تجاه ما يسمى بقضية نساء «داعش» وهن زوجات «الدواعش» الذين قتلوا في معركة الموصل لدحر التنظيم الإرهابي، وإنْ كان التقرير قد لفت الأنظار لحقيقة أطفال «داعش» وفي أعمار العشرة أعوام ويهددون بالذبح والقتل على غرار ما كان يفعل آباؤهم، وأن هؤلاء الصغار سيكونون قنابل متحركة بعد سنوات قصيرة جداً، إذا لم يتم استئصال أفكارهم الشيطانية.
مهم الاعتبار بالتاريخ، فرؤوس التكفير والإرهاب وجدوا في السجون بيئات ملائمة لتفريخ أفكارهم المتطرفة، فمؤلفات سيد قطب صنعت في السجن وفكرته بأن البلاد العربية تعيش جاهلية القرن العشرين ولدت بين جدران السجن، وتسربت لعقول ناقصة علماً وإدراكاً، ونفوس مضطربة بأزمات معيشية، فكانت القطبية مساراً متشدداً اتصل وانتعش في سبعينيات القرن العشرين المنصرم، وأنجب الجماعة الإسلامية في مصر، التي اغتالت الرئيس السادات، ثم انتقلت إلى أفغانستان لتجد فريقاً قادماً من شتات بلاد العرب، وهناك كانت إفرازات انتهت بولادة تنظيم «القاعدة»، فالبيئة كانت حاضنة للأفكار، ولكل ما يمكن للتطرف أن يصل لحدوده القصوى، حتى ضربت أميركا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 فتنبه العالم لما كان في بلاد الأفغان.
لم يتدارك أحد ما الخطر، فذهبت أميركا لتحارب عناصر تنظيم «القاعدة» في اليمن والعراق، وبدل أن تقضي على رأس التنظيم، ظهر لها الزرقاوي والظواهري ومئات الرؤوس في كل مكان، تحولت الحرب الكونية على الإرهاب لحرب وجودية في مشاهد مفرطة بالدموية، حيث التفجيرات والحوادث الدامية باتت سمة سنوات الرعب المتوالية، فلا تكاد عملية إرهابية تفجع مدينة حتى تفج مدينة أخرى بتفجير دموي آخر، توالت حوادث الرعب، حتى ظهر البغدادي معلناً قيام دولة «داعش» بعد أن اهتزت الدول الوطنية بفعل التدخلات الخارجية، فكانت سوريا والعراق مجرد جغرافية للخرافة، بينما الخرافة مسكونة في رؤوس الذئاب المنفردة، التي بدورها لم تتوقف عملياتها وفواجعها في كل الأرض.
أطفال يريدون ذبح صحفية لأنهم يرونها كافرة، تماماً كما يعتقد جهيمان والبغدادي والخميني و«الحوثي»، وكل دعاة الجماعات والتنظيمات الراديكالية، هذا هو جوهر القضية التي يجب على العالم الإسلامي معالجتها، قبل أن يعالج مسائل التحكيم في ملاعب كرة القدم، فثمة أهمية قصوى لمعالجة أزمة تم ترحيلها منذ عقود دون علاج حقيقي، فكتب التراث الإسلامي سنية وشيعية بها من البذور، التي ما إن تجد التربة المواتية والبيئة الصالحة، إلا وأنتجت الآلاف من الانتحاريين الذين وجدوا بيئات تدفعهم لنهايات مرعبة بحق أنفسهم وأهلهم ومجتمعاتهم المترددة في مواجهة أصل هذه الأفكار، التي ترى المرأة عورةً، وحليق الذقن والمدخن، بل والذي يلبس البنطالون كفاراً حلال دمائهم وفي قتلهم دخولٌ للجنة.
ويبدو أن دوامة العنف هناك أشرار لا يريدون لها أن تنتهي، ففي هذه الدوامة تُباع الأسلحة وتُغسل الأدمغة، ويتم فيها تدوير الأموال وتحقيق مكاسب من وراء إدارة تنظيمات وجماعات وظفت الدين الإسلامي، خدمة لمشاريع العنف التي لم تنته مع مقتل بن لادن أو غيره من قيادات التنظيمات «الجهادية» والعقائدية، بل تتواصل وستتواصل، فكما كانت قندهار بيئة لتفريخ الانتحاريين، فهذا «مخيم الهول» وغيره الكثير من مخيمات النزوح، التي تحولت لبيئات منتجه لتكفيريين صغار حملوا الكراهية للبشر، بدلاً من المحبة التي يجب أن يحملها كل طفل في ذات أعمارهم، ليس هناك وقت لمؤتمرات وأطروحات، بل هناك فرصة أخيرة لاتخاذ قرارات شجاعة بمواجهة ما في كتب التراث الإسلامي ومراجعتها وتدقيقها، واتخاذ اجراءات قانونية رادعة لمن مازال يغذي أفكار الذبح والتكفير، حتى وصلت لأحباب الله الأطفال الذين تحولوا لوحوش ضارية.