الموت فنان يطرز ارواح الجميع في اليمن غير السعيد!!

الخميس 3 مايو 2018 00:18:00
testus -US
المشهد العربي / محمد عبدالوهاب الشيباني :


في اعوام الحرب الثلاثة، وفي السنوات التي مهدت لها ايضا، فقدنا الكثير من المبدعين اليمنيين شعراء ونقاد وفنانين وصحافيين، في حالة لم تتشابه بغيرها على الاقل في ثلاثة عقود.

لم يميز الموت فيها بين ضحاياه، لكنه صبغ فعله بالمباغتة والكمد، وجعل من صنيعه المؤلم مستسهلا وعاديا في حياة الجميع، لأنه ساوي بين من احتمى ببطن الارض، ومن يدب منكسرا على ظهرها.

في ربيع العام 2014، حين كانت الحرب تشحذ سكاكينها على الاحجار القاسية في صعدة وعمران، كان جسد الشاعر والناقد "عبدالله علوان" يقطِر اخر مباهجه في 24 مارس على احد اسرة مستشفى الثورة بصنعاء، بعد اعتلالات سكرية طويلة، رافق هذا الرحيل صمت مطبق من المؤسسات الثقافية وجحود لا يعقل.

عبدالله علوان احد الادباء العصاميين الناحتين في الصخر، وفي عقود اربعة ظل وفيا لمشروعه الابداعي كشاعر وناقد وكاتب قصة، ومبشِر بالكتابة الشابة والجديدة.

اصدر في حياته مجموعتين شعريتين ومجموعة قصصية وثلاثة كنب نقدية، وترك عشر مخطوطات مختلفة, تبخرت كل وعود طبعها بعد رحيله. اما اهم اعماله الشعرية "مزامير الزمن القرمطي " والقصصية" رقبة الزير" والنقدية "القصة اليمنية الموقف والاسلوب" و "المأسوي والهزلي في شعر البردوني".

وفي خريف ذات العام ـ منتصف شهر سبتمبر2014ـ رحل الشاعر الغنائي الأبيني الكبير " عمر عبد الله نسير" الملهم الاكبر للفنان محمد محسن عطروش وخاله. فهو الذي كتب له كلمات اغانيه الخالدة " يأرب من له حبيب / جاني جوابك / طبع الزمان هكذا / بالله اعطني من دهلك سبوله / يا عيل يا طائر/ بائعات البلس والقات وغيرها من الاغاني التي حفظها اليمنيون شمالا وجنوبا.

في 8 مارس 2015 توفي في احدى مستشفيات القاهرة الاديب والصحافي "عبد الودود المطري" فجأة، وهو احد الاسماء المعروفة في سماء الصحافة منذ كان محررا للصفحة الثقافية في صحيفة الثورة بصنعاء اواسط الثمانينيات.

مطلع التسعينيات اصدر صحيفة "الراصد" الاهلية ، لكنه بعد حرب صيف 94 هاجر الى لندن وانظم للمعارضة الجنوبية وهو الشمالي .

عن تجربته في لندن بين 94 و97اصدر كتابه "تائه في بلاد الانجليز" وهو خليط من النصوص والمذكرات اليومية الساخرة. واصدر في القاهرة ديوان شعر حمل عنوان " خمسة شروط لدخول جهنم"

في12 اكتوبر 2015 وبلا مقدمات مات "عبد الكافي الرحبي" عن 57 عاما .

الناقد والباحث المجتهد لم يعبا احدا برحيله، وما فعلناه نحن اصدقاؤه رتبنا تأبين اربعيني على عجل، وزعنا فيه مطوية بدائية عنه، بمعية كتابه الثاني "فضاء الخطاب النقدي" والذي صدر بعد رحيله، وبعد اكثر من عشرة اعوام على صدور كتابة الاول المعنون بـ "اعمدة الشمس" .

ويشكل الكتابان معا تجربة نقدية رائدة ،ما تُبينه لمتفحصها ان ثمة مثقف متنوع ، تُظهِر مهاراته جملة الاشتغالات النقدية والبحثية و الدرسية التي قام بها على مدى ثلاثة عقود، ملامساً وبوعي مختلف ،العديد من القضايا والموضوعات الفكرية والتاريخية والادبية، الحاضرة كمكونات في البنية الثقافية للمجتمع، والمؤثرات العميقة فيها، التي احدثتها عملية التثاقف القرائي، الذي خاضته النخب الثقافية والتنويريون اليمنيون على مدى الخمسين عاما الماضية، والتي قارب اسهاماتها تلك، من اكثر الزوايا جدة و عقلانية..

وفي احد مشافي القاهرة توفي شابا خالد الصوفي الاعلامي المعروف واستاذ العلاقات العامة في كلية الاعلام بجامعة صنعاء، مطلع يناير 2016 بعد معاناة مؤلمة من الاصابة التي تعرض لها في ثورة 2011، نتيجة اعتداء جنود علية بالضرب المبرح. ولخالد كتاب مهم عنوانه "دور الإعلام في تشكيل اتجاهات النخبة الأكاديمية العربية في اليمن نحو الربيع العربي «دراسـة ميدانيـة" بالاشتراك مع علي البريهي.

وفي احد مشافي عدن توفي في مطلع فبراير 2016الدكتور عبد المطلب احمد جبر الاكاديمي واستاذ النقد الادبي في كلية التربية بجامعة عدن بعد معاناة طويلة مع سرطان الرئة، وجبر احد قيادات اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين وشغل فيه موقع الامين الثقافي وتاليا رئيس تحرير مجلة " الحكمة".

بعيدا عن مسقط راسه مدينة عدن، ، رحل بصمت في مدينة نيويورك الشاعر الرائد "عبد الرحمن فخري" في 21 اغسطس 2016. لم اذكر ان احد الرسميين اصدر بيان عزاء في رحيله , و فخري احد رواد شعر الحداثة ونقدها في اليمن، واحد آباء التمرد ، وظلت مجموعته الاولى " نقوش على حجر العصر 1978" ايقونة الصوت السبعيني.

وكتابه النقدي " الكلمة والكلمة الاخرى ـ اضاءة نقدية على الادب اليمني المعاصر1983" عنوانا للمشاكسة النقدية بمقارباته الضاجة لأكثر الموضوعات اشكالية مثل "الثورة وهموم الادب" ، "حول التراث والعصر"، "شاعر قديم في حلة جديدة" عن الجرادة و"بائع التوابل الاول" عبد الله باذيب . وفي 1988صدرت له مختارات باللغة الإنجليزية ضمن " ليالي الادب العربي الحديث .

صحيح ان انشغاله بالعمل الدولي كخبير ومستشار اعلامي في الامم المتحدة خفف كثير من حضوره داخل المشهد، لكنه حينما عاد مطلع الالفية واصدر مجموعته الثانية " من الاغاني ما احزن الاصفهاني2000" واعقبه بثالثة حملت عنوان " من جعبة الفراشة 2007" كان لم يزل تنويريا ،مؤمننا بالجديد كأداة للتغيير. لكنه لم يستطع الاقامة في بلد بدأت بالتهتك فاختار ان يموت بعيدا في مغتربه البارد غربا.

وفي شتاء ذات العام، وبعيدا مدينة عدن ايضا، رحل الفنان الرائد " فرسان خليفة" هناك في ابو ظبي في 20 نوفمبر 2016. وخليفة احد رموز الاغنية العدنية واليمنية بشكل عام . غنى لكبار الشعراء وشعراء الاغنية المعروفين عشرات القصائد. للشاعر محمد سعيد جرادة غنى في 1957 الاغنية التي انتشر بها " حيَا ومر مثل القمر" وغنى للشعراء أحمد الجابري واحمد شريف الرفاعي وعبدالله سلام ناجي و سعيد الشيباني، وزكي بركات ولم تزل اغانيه مثل "روح الشروق" و"نجم الصباح لالى" و "ياخي الصغير انت العديل على ابي" الجزء الاهم من ذاكرة الاغنية اليمنية، التي اعتمدت البساطة اللحنية ، وعامية الكلمات ،التي لم تعيقها حواجز اللهجة فوصلت الى ذائقات التلقي المختلفة بسلاسة.

في اول ايام العام 2017 مات في احد مشافي صنعاء "احمد قاسم دماج" المناضل والمثقف والاديب المعروف، واحد رموز اليمن الجديد .

تسألت بعد وفاته لو ان العمر امتد به قليلا هل كان سيفرد صفحة اضافية لسيرة اليمن، التي تتسرب من بين يديه، وتتبخر من حلمه ؟! ام انه اختار الرحيل ،حتى لايري موتا ناجزا للوطن ،بسكاكين القتلة "المشحوذات" بعناية ،على حجر الحقد الخشن.؟!

اليمن انحفرت في وجدانه على هيئة روح كبيرة، وارتسمت بكل تفاصيلها بوعيه كقارئ متفحص لتاريخها البعيد، او باعتباره شاهد و فاعل في معتركات احداثها المعاصرة . والراحل احد رموز التغيير في البلاد وابرز مؤسسي اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين ورئيسه الطويل. وعلى مدى ستة عقود كان شاهدا على كل منعطفات السياسة شمالا وجنوبا.