سقطرى.. المطامع التركية الإيرانية والتآمر القطري
هاني مسهور
لم يكن افتعال الأزمة في سقطرى مجرداً من تبعات عميقة، وأبعاد استراتيجية تتعلق بما هو أبعد من تلك الحملة الدعائية الهزيلة، التي تضمنت عبارات السيادة الوطنية.
والتي حولتها منصات الإعلام الرخيصة إلى مجرد بضاعة رديئة في سوق متزاحم ببضائع تحمل قيمة تتجاوز تلك المنصات، وما تريد اقتناصه في أتون معركة وجود عربي لا تحتمل الخسارة أو التراجع، حتى من باب المناورة.
(6 يونيو 2017م) قررت دول السعودية والإمارات ومصر والبحرين، قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، لتضع نقطة على آخر سطور العبث القطري في المنطقة العربية، عبر تآمر الدوحة لزعزعة الاستقرار في الدول العربية، والتدخل في شؤونها وتهديد الأمن القومي العربي، واستهداف الدول العربية، عبر دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة.
وتقديم الدعم المالي والإعلامي، وتقديم الغطاء السياسي لانتهاكاتها بحق الدول العربية.. وقد كان قرار الرباعية العربية مفاجئاً، لدرجة أنه بعثر أوراق اللاعبين الكبار العابثين بالمنطقة العربية، وتحديداً إيران وتركيا.
فقد كانت للبلدين مطامع ببسط نفوذ سياسي على ساحل البحر العربي وباب المندب، إلا أن المتغير الميداني المتمثل في إطلاق عملية السهم الذهبي، والتي انتهت بتحرير مدينة عدن في يوليو 2015م، وضعت حداً للمطامع الإقليمية، وبعد تحرير مدينة المكلا في أبريل 2016م، كانت كافة مطامع البلدين في ساحل البحر العربي وباب المندب، قد تلاشت بشكل نهائي.
ولم يعد لها وجود إطلاقاً، كان هذا المتغير الميداني، لاعباً في استراتيجية تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، الذين عملوا على تكثيف وجودهم في جبهات مأرب وتعز، ومن خلال اختراقهم للمؤسسة الشرعية السياسية.
ولا يُخفي الأتراك مطامعهم في اليمن، من خلال أجندتهم التي ظهرت في فوضى 2011م، ثم الانتقال الذي حدث بعد الوجود التركي في التراب العربي، بداية من إنشائهم قاعدة عسكرية في قطر، ثم قاعدة عسكرية في الصومال (أكتوبر 2017م)، وحتى ظهورهم في ميناء سواكن السوداني.
وتحاول تركيا من خلال تنظيم الإخوان المسلمين في تعز، السيطرة على ميناء الحديدة، لتتمكن تركيا من إقامة مثلث نفوذ في البحر الحمر، يرتبط بالصومال والحديدة وسواكن.
المتغير الذي حفز الإخوان في اليمن على الانتقال من مربع التحريض الإعلامي والعداء للتحالف العربي، إلى مربع الميدان، كان دخول قوات العميد طارق صالح إلى جانب المقاومة في العمليات العسكرية الجارية في الساحل الغربي.
فهذا المتغير الميداني، أحدث خللاً في توازنات تنظيم الإخوان في تعز، لأن هذا التحرك، يعني إسقاط السيطرة الإخوانية على مدينة تعز، التي استخدمت على مدار ثلاث سنوات لاستنزاف التحالف العربي على كافة المستويات، السياسية والإغاثية، وحتى الإعلامية، برغم كافة المحاولات لكسر الحصار عنها، حتى بالإنزال الجوي، إلا أن تنظيم الإخوان كان مصمماً على تنفيذ أجندتهم التآمرية.
ولذلك خرجت مجاميع الإخوان في تعز، بمظاهرات مناوئة للتحالف العربي، عندما شعروا بجدية المقاومة الوطنية لكسر حصار تعز.
وجدت قطر اللاعب الفعلي في الخلفية اليمنية، سواء مع الحوثيين أو الإخوان المسلمين، أن التحالف العربي لن يتراجع عن عملياته العسكرية في الساحل الغربي، فقامت، وعبر أدواتها، من مسؤولين في حكومة بن دغر، على التعمد في استفزازات متوالية، تزايدات بشكل لافت خلال أبريل ومايو 2018م.
فلقد حاولوا استفزاز الجنوبيين في عدن ثم المكلا، وبعدها سيئون، بإثارتهم كثيراً من المسائل الشائكة التي يحاول الجميع عدم الاقتراب منها، بناء على التفاهمات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف العربي، بعد أحداث عدن في يناير 2018م.
في سقطرى، حدث تصعيد خطير، وصل إلى إصدار بيان من حكومة بن دغر، تضمن اتهامات مصدرها الرئيس، التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، فالحديث عن «احتلال» لجزيرة سقطرى، يبدو حديثاً ساذجاً، لا يمتلك أي أرضية يمكن الانطلاق منها، فهذه الجزيرة التي كانت منذ استقلال اليمن الجنوبي (30 نوفمبر 1967م)، أشبه بالجزيرة المهجورة.
وكانت ضمن محافظة حضرموت إدارياً، ولم يكن ارتباطها باليمن إلا عن طريق رحلة جوية واحدة كل أسبوع أو أسبوعين، ونقل الوثائق الرسمية، بينما كان المواطنون في سقطرى يعتمدون على قوارب الصيد لنقلهم إلى موانئ حضرموت.
في أكتوبر 2015م، ضرب أرخبيل سقطرى إعصار تشابالا، ودمر مئات المنازل، وقتل عدداً من المواطنين، وشرد الآلاف منهم، انقطعت جزيرة سقطرى كلياً عن العالم الخارجي لأكثر من عشرة أيام متواصلة.
فلقد كانت الحكومة عاجزة عن تقديم أي مساعدة، غير أن دولة الإمارات، بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، سبقت الجميع، وبادرت بإنشاء جسر جوي، أنقذت به سكان الجزيرة، وأطلقت حزمة من المشاريع التنموية التي أعادت سقطرى إلى الحياة بعد موت سريري طويل.
افتعال جهات في الحكومة للأزمات، بعد أن توغلت عناصر الإخوان في جسد الحكومة الشرعية، جعلها في موقف لا يليق بالمرحلة ومتطلباتها.
حيث كان يتعين عليها أن تبادر لشكر الإمارات على عطائها وسخائها وجودها، فالإماراتيون قدموا أبناءهم قبل أموالهم في معركة تتجاوز اليمن وجغرافيته، تصحيح مسار الشرعية وإعادة هيكلتها، بات مسألة ضرورية لاستكمال دحر الحوثيين والعودة إلى مسار العملية السياسية، دون أن يمنح الإخوان فرصة للطعن بخاصرة العرب.