لم تكن حفلة تنكرية
هاني مسهور
- التعايـش مع الوحــوش
- أميركا تحتضن إيران
- الحوثيون والخمينيون.. تحالف مصالح وتباين عقائدي
- حضرموت ببواعث الهوية السياسية
يتوالى ظهور الشخصيات «الإخوانية» لتعلن براءتها من أفكارها ودعواتها السابقة بدعم الثورات على الأنظمة، وتحريض الشعوب في سياق حقبة الصحوة الإسلامية التي قدمت جيلاً من الدعاة المنتمي بعضهم لجماعة «الإخوان».
ويبدو أن هذه السلسلة لن تتوقف عن الظهور بعد تأكدوا فشل مشروعهم، وتبددت أحلامهم وتحطمت أمالهم. فالواقع السياسي فرض نفسه منذ الثورة المصرية المظفرة في 30 يونيو 2013 وإسقاط حكم «الإخوان»، وتوالي تراجعهم مع ما تم فرضه سياسياً عبر سياسات فاعلة قادتها أبوظبي على مدار عقد من التاريخ.
دخلت جماعة الإخوان في حالة (الكُمون) بعد التضييق عليها، ومعها ظهرت شخصيات كانت تستأثر بالمشهد الإعلامي عبر الفضائيات، فمن ظهور عايض القرني وتراجعاته عن أفكاره وآرائه الأولى إلى محاكمات محمد حسين يعقوب ومحمد حسان التي كانت مشهداً واسعاً لإعلان التراجعات مع كثير من التخبطات، وحتى ظهور طارق السويدان الذي أيضاً كرر تراجعات الذين سبقوه والذين سيلتحقون به وبهم فالمسبحة انفرطت والكل يخرج على الإعلام يعلن براءته.
ما يجري في الواقع ليس مراجعة فكرية، بل استخفاف بكل الدمار والتخريب وإهدار مليارات الدولارات بعد ما أصاب الأوطان العربية في موجة ما أسموه «الربيع العربي» من تحطيم للبنى التحتية السياسية والاقتصادية وهتك للنسيج المجتمعي، حالة الاستخفاف مستمرة لانعدام الجدية في مواجهة هذه الشهادات المَدينة لأفعالهم المنكرة فالتحريض جريمة لا يجب أن تسقط بالتقادم مهما كانت المبررات.
تسوق جماعة «الإخوان» منذ سقوطها المدوي في مصر، وما لحق بها في تونس والمغرب والسودان عن المراجعات الفكرية لمنهج الجماعة، فقياداتها التي تشتت بين السجون والمنافي لم يعد لديها سوى تسويق هذه الفكرة للخروج من المأزق الصعب. إن الحديث عن فكرة المراجعات الفكرية داخل جماعة «الإخوان» غير وارد، لأن معناه تخلي الجماعة وأعضائها عن فكر المؤسس حسن البنا.
صحيح أن هناك تبايناً بين جيل القيادات وجيل الشباب الباحث عن مرونة خاصة، وأنه يجد نفسه في موقف لا يتيح له الحركة بعد كل هذه الضربات القاسية.تقدم الجماعة بعد التحولات السياسية وتحديداً بعد اتفاق العُلا وخطوات التقارب التركية مع العواصم العربية ما يعرف بـ«إقرارات التوبة»، على نحو أشبه بالجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن المنصرم، وبموجب إقرارات التوبة، فإن عضو الجماعة يوقع على أشبه بتعهد على عدم المشاركة في التظاهرات مرة أخرى عقب خروجه من السجن، فضلاً عن أنه ليس من جماعة «الإخوان».
من غير المنطقي تمرير هذه الأفكار الطارئة على اعتبارها مراجعات فكرية، فهذا استخفاف لا يمكن قبوله وحتى توالي ظهور دعاة «الصحوة» بإعلاناتهم براءتهم من ماضيهم فيه من الاستخفاف والإسفاف غير المقبول قانونياً، فالتحريض على الخروج عن القوانين الوطنية وجر المجتمعات للصراعات الإيديولوجية وتفتيتها لتحقيق مستهدفات تحت شعارات حقوق الإنسان وغيرها من شعارات استُهلكت في إغراق الأوطان بالفوضى الخلاقه.
المسؤولية تقوم اليوم حول ضرورة المحاكمة العادلة لكل الأفراد والجماعات التي حرضت ودعمت وحتى مولت تلك الدعوات المدمرة، هذه هي المسؤولية الواجب تنفيذها حيال كافة الذين حرضوا، فلا يكفي إعلانهم البراءة مما قالوه، وما هو ثابت عليهم كدليل إدانة، هذه ليست حفلة تنكرية بل هي جزء من انكشاف حقيقي لسنوات الكذب والخداع التي سيطر خلالها «الصحويون» على الرأي العام وأخضعوه قسراً لأفكارهم المتعصبة، هي ليست حفلة تنكرية تنتهي برفع الأقنعة حتى يتم التعامل معها دونما اكتراث وبكثير من التعليقات الساخرة في العالم الافتراضي، إنها جريمة تستحق العقوبة، وإلا فإن على هذه المجتمعات أن تكرر مآسيها وأوجاعها، إن لم تعاقب اليوم كل الذين أجرموا بالتحريض وبث خطابات الكراهية البغيضة.