أميركا تحتضن إيران
هاني مسهور
- التعايـش مع الوحــوش
- لم تكن حفلة تنكرية
- الحوثيون والخمينيون.. تحالف مصالح وتباين عقائدي
- حضرموت ببواعث الهوية السياسية
بينما كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يعلن للعالم نبأ مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، كانت بلاده أيضاً تجري مفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي، كان ذلك في العام 2015 الذي كانت إدارة أوباما آنذاك تطلق استراتيجية «احتواء إيران» بدلاً من مواجهتها. وبعد أن أُبرم الاتفاق النووي لم تغير طهران من سلوكها، بل إنها أسقطت أربع عواصم عربية، وأعلنت أنها لن تتوقف عن نزعتها الثورية الناشئة في 1979، فهذه هي العقيدة الإيرانية التي لا تمنح فرصة لإمكانية الاحتواء، فإيران ترى أنها أوسع نطاقاً من جغرافيتها السياسية القائمة، لذلك تعمل منذ أربعة عقود على تصدير الثورة للتوسع، فلا مكان للاحتواء.
الولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر 2001 أعلنت الحرب على الإرهاب، وخاضت ضد عناصر تنظيم «القاعدة» مواجهات مباشرة في أفغانستان ثم العراق والصومال واليمن. وفي خضم الحرب الأميركية خرجت «كوندوليزا رايس» بخريطة الشرق الأوسط الجديد، وبعدها ظهرت ازدواجية أميركية في التعامل ليس فقط مع تيارات الإسلام السياسي، بل مع الحركات الراديكالية بشقيها السُني والشيعي. لم تكن رياح ما يسمى «الربيع العربي» سوى الموجة الأكثر ازدواجية في التعاطي الأميركي المزدوج تحت تبريرات أن تنظيم «الإخوان المسلمين» كان الأكثر تنظيماً واستعداداً لملء الشغور في السلطة، مما فتح النوافذ لتلتقي واشنطن بكافة الرؤوس الراديكالية من حركة «طالبان» إلى روحاني.
لم يكن ظهور «داعش» في فترة رئاسة أوباما غير تأكيد عملي على فشل سياسة احتواء إيران التي كانت وهي تفاوض المجتمع الدولي على برنامجها النووي تدفع بمليشياتها الطائفية لتعبر من العراق إلى سوريا. ويكون «حزب الله» في لبنان أكثر من الخلفية اللوجستية لدعم المليشيات الإيرانية في الأراضي السورية.
احتواء إيران في الحقبة الأوبامية أسفر عن ملايين الضحايا بين قتلى وجرحى ومشردين في امتداد من العراق وسوريا ولبنان واليمن. هذه الامتدادات أصيبت دولتها الوطنية بطعنات دامية مازالت تنزف برغم محاولات الإنقاذ العربية، فالاختلالات أنتجت فراغات، أدت إلى زلازل واهتزازات شديدة للغاية، إذن لماذا هناك إصرار على إعادة محاولة إيران و«طالبان» وغيرها من جماعات الإسلام السياسي؟ يبدو هذا التساؤل كالسهم النافذ في كبد الحزب «الديمقراطي» الأميركي وهو يصر على فكرة الاحتواء وتذويب الجماعات المتصلبة بأفكارها الراديكالية، فليس من الممكن تحويل حسن نصر الله وخامنئي وعبدالملك الحوثي لليبراليين مؤمنين بالدولة الوطنية.
الازدواجية الأميركية يجب أن تتوقف عند هذا الحد، فاستمرار التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط بهذه الازدواجية ستتيح للجماعات المتشددة عقائدياً الانخراط أكثر في تحقيق أهدافها بتفتيت الدول الوطنية، وإقامة الدول العابرة للحدود، تماماً كما تعتنق ذلك كافة التنظيمات والجماعات الراديكالية، السُنية والشيعية على حد سواء، هذه المخاطر المهددة لكيانات الدول الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنذر بتهديد السلم الاجتماعي في حال راهنت الإدارة الأميركية مجدداً على تمرير الديمقراطية عبر التنظيمات الإسلاموية، التي هي لا تؤمن أصلاً بمفاهيم الدولة الوطنية قبل أن تعتنق الديمقراطية وغيرها من القيم السياسية، التي تذيب المذاهب والطوائف والأديان في الدولة الجامعة.
يقول «الجمهوريون» في الولايات المتحدة إن مهمتهم باتت إصلاح ما أفسده الحزب «الديمقراطي» في كل مرة يتولى فيها السلطة الأميركية؛ نتيجة سياساته المنفتحة على التنظيمات الإسلامية بشكل أو بآخر. وقد يكون ذلك صحيحاً في السجال الأميركي ولكن في واقع الحال، فإن الثمن المدفوع أكبر بكثير من تجارب آنية لسياسات يجب أن تكون واضحة، وتنهي الاتصال مع هذه الفئات في الشرق الأوسط الذي على الولايات المتحدة أن تساهم في تبريد المنطقة وانتهاز الفرصة المواتية بعد اتفاقيات إبراهام للسلام مع إسرائيل، والتعامل مع الديمقراطيات الناشئة كما هي، دون اختزال المجتمعات في شخصيات تمثل التنظيمات الباطنية.