وإذ تحدث عيدروس الزبيدي

هاني مسهور

شحيح ظهوره الإعلامي غير أنه في كل مرة يظهر يستحوذ على الرأي العام في بلد رأيه العام يعيش دائماُ حالة انتباه، ومع العام 2022 الذي بدأ يمنياً مع انطلاق عملية (إعصار الجنوب) التي انطلقت لتحرير مديريات محافظة شبوة جنوب اليمن ظهر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي على قناة سكاي نيوز عربية في حوار واسع ومفاجئ وعميق المضامين سياسياً. من الواضح أن الجنوبيين يقدمون خطابهم في عمق ما ترتكز عليه منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالأمن القومي العربي وهم على إدراك واقعي لموقعهم في الخارطة الجيوسياسية، فما بعد تحرير عدن (يوليو 2015) تأكد أن محور الاعتدال العربي صنع نقطة ارتكازه في الأمن العربي بما تحدث به ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بأن عدن خط أحمر مما يؤكد مرتكز الأمن العربي. عملت السعودية والإمارات في إطار "عاصفة الحزم" على عدم تدويل الملف اليمني سياسياً أيضاً فيما يمكن وصفه بأنه أمن قومي عربي وعلى الرغم من محاولات متعددة ظل هذا الملف في معالجته السياسية مقترناً بما تحاول من خلاله السعودية والإمارات من تمكين اليمن للخروج من أزمته بحل سياسي ينهي صراعات وليس صراع واحد فالصراعات والتجاذبات المتعددة الأقطاب مثلت الخطر الدائم على اليمن والذي أن نجح بجهد من التحالف على تأمين باب المندب وساحل بحر العرب مع بداية العمليات العسكرية. الأمن القومي العربي بدا أنه نقطة ارتكاز واضحة من خلال ما قدمه عيدروس الزبيدي في مجمل حديثه وهو ما يعني إدراك القوى الحيوية الجنوبية بمهددات الخطر حتى وأن كان المشروع الإيراني قد انتهى واقعياً من بعد تحرير عدن والمكلا في 2016 غير أن الفراغات التي ظهرت مع استحواذ حزب الاصلاح على مؤسسات سيادية في الشرعية كانت ومازالت تعمل على توسيع دوائر الفراغات باستحداثهم أزمات متوالية ممتدة منذ اسقاط خالد بحاح من موقعه السياسي. الجنوبيون وهم يظهرون التزامهم البالغ بالأمن القومي العربي بتعريفاته المعاصرة، بمفهوم الارتباط الوثيق بتأمين الأرض من الجماعات الإسلاموية لذلك جاءت مناشدته واضحة في التزام الجنوبيين بمكافحة الإرهاب والطلب المباشر بدعم قوات خفر السواحل في المواقع الخاضعة تحت الجغرافية الجنوبية بما يعني أن كل ردود أفعالهم من دعوات جماعة الإخوان وافتعالهم أزمات في سقطرى وعدة محافظات أخرى أنها كانت تحت هذه العقيدة الأصيلة التي من المهم معرفة قاعدتها وهو الاستقلال الأول في 30 نوفمبر 1967. خاضت المنطقة الشرق أوسطية عشرية صعبة وكان اليمن واحد من مناطق الصراع التي تضررت فيما سمي بالربيع العربي، وتبدو العشرية الجديدة يمنياً على الأقل أنها تبشر بمعالجة ممكنة ومتاحة فالجنوب بات أكثر استقراراً من خلال وضوح قضيته السياسية، فشل الحكومة اقتصادياً وأن كان الجنوب دفع ضريبته القاسية غير أنه كذلك رسخ وضوح المعالجات في نطاق "اتفاق الرياض" وهو الاتفاق الذي لو تم تنفيذه لتغيرت توازنات اليمن كلياً وأن كانت عمليات تموضع ألوية العمالقة الجنوبية في الساحل الغربي وإعادة انتشارها في شبوة صنع بالفعل تغييرات واسعة نجحت سريعاً من استعادة كل المديريات الثلاث في شبوة التي كان قد سلمها حزب الاصلاح. مرة بعد أخرى يثبت فيها الجنوبيين عقيدتهم في معركتهم التي ولدت من لحظة انكسارهم في احتلال الشمال لبلادهم عام 1994 تحت فتاوى التكفير التي بها استبيحت دولتهم، قضية الجنوب التي مازال البعض يحاول التعتيم عليها إعلامياً غير أنها تعد مدخلاً وحيداً لحل أزمة اليمن بواقعية وإنهاء عقود من أزمة لم يعد من الواقعية ترحيلها، الجنوب يتوحد تحت إطار سياسي ويكافح ضمن دائرته وأن كان هناك جهة مازالت تحاول تصغيرها غير أنها لن تستطيع فالجنوب كلياً فارض حضوره ضمن الإطار الجيوسياسي لذلك اعتمد الزبيدي بكثير من واقعية المنطق الحديث عن السعودية والإمارات ومصر كروافع للأمن القومي العربي. ظهور عيدروس الزبيدي المتوافق مع إعلان ألوية العمالقة الجنوبية استكمال عمليات تحرير شبوة من مليشيات الحوثي يضع الجنوبيين ككل مرة ينتصرون فيها أمام استحقاقات سياسية غير أن هذه المرحلة تبدو استحقاقاتها مختلفة تماماً للتحولات التي شهدتها المنطقة وما يمكن أن تشهده ما بعد زيارة الرئيس التركي للسعودية والإمارات، يبدو المشهد في اليمن جنوباً متجلياً وموتثباً لشمال عليه أن يسارع في صناعة رافعته السياسية. عيدروس الزبيدي وأن كان شحيحاً في الحديث غير أنه كشعبه الجنوبي سخياً في الأفعال والوفاء لتحالف عربي جاء في لحظة فارقة من التاريخ تمسك بتلابيبها كل جنوبي عربي بعقيدته العروبية المشدودة لماضي بلد كان صانع للثورات التحررية من الاستعمار فكان لثلة من جنوبي العرب أن يكونوا من مؤسسي حركة القوميين العرب ويصنعوا تاريخاً في القرن العشرين الفائت مازالت الشعوب تعيشه واقعاً فلولا ثوراتهم ما كانت في بلاد العرب أوطان مستقلة ترفع راياتها الوطنية وتتباهى شعوبها كما يتوق شعب جنوب العرب أن يرى استقلاله الثاني ككل اشقاءه من نواكشوط إلى المنامة.

مقالات الكاتب