مارتن غريفيث بالتقاليد اليمنية تماما
هاني مسهور
يسابق مارتن غريفيث المبعوث الأممي إلى اليمن نفسه في جولاته التي لا تكاد تتوقف منذ انطلاق معركة تحرير الحديدة. سباق غريفيث تجاوز سباق جميع الأطراف اليمنية المتصارعة أو حتى تلك الأطراف التي مازالت تنتظر حصتها من الكعكة بعد أن رأت في تخفيها ولعب الأدوار المخفية ما يحقق لها مكاسب دون أن تدخل في أتون الصراع المفرغ محتواه من مضامين وطنية.
مازالت عبارات المبعوثيْن السابقين جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد تنساق على لسان غريفيث. اللغة الدبلوماسية التي فشلت مع بن عمر وولد الشيخ أحمد هي ذاتها تتكرر مع غريفيث حتى وإن لمس المراقبون حيوية عند الأخير جعلاه يتفوق على سابقيه، مع تدارك أن هناك متغيرات دولية ومحلية هي العامل المؤثر الأكبر الذي فرض هذه الديناميكية العالية والتي لم تحدث اختراقا حتى مع الدعم الذي حظي به غريفيث من قبل السعوديين والإماراتيين لإنجاح مهمته.
يُمكننا اليوم استشراف ملامح خطة الحل السياسي الشامل في اليمن، فهي تعتمد على ثلاثة أركان رئيسية، سياسية وأمنية وإنسانية، وتقوم الفكرة عند المبعوث الأممي على دمج الأركان الثلاثة مع بعضها البعض، فهو يريد أن يطلق مفاوضات مباشرة بين طرفي الأزمة مع إطلاق المعتقلين من “كل” الأطراف وفتح المجال للعمل الإنساني، ويجب هنا ملاحظة أن الإجراء لم يعد كما كان سابقا بإطلاق الحوثيين للمعتقلين لديهم، بل يشمل كذلك طرف الشرعية وهذا تقدم جديد يُعد خرقا هائلا يضع تساؤلا إن كانت الشرعية ستوافق على إطلاق سراح المتورطين من ميليشيات الحوثي في جرائم الحرب والانتهاكات التي ارتكبت منذ انقلاب سبتمبر 2014، فهذا يعني وضع عقبة أمام أي قانون سيوضع للعدالة الانتقالية التي ستكون جزءا من عملية التسوية الكاملة للأزمة اليمنية.
تعتبر معركة تحرير الحديدة التي بدأت في 6 يونيو 2018 عبر إطلاق عملية “الرعد الأحمر” المتغير الأساس في المشهد اليمني عموما، فالقوات المسلحة الإماراتية تلقت الأمر العسكري بناء على توجه سياسي واضح. فقد استبق القرار العملياتي الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب في إشارة واضحة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية إلى عدم ربط الملف اليمني بأي ملفات أخرى، وهذا أيضا دليل آخر على التزام الرياض بعدم تدويل الأزمة اليمنية وإبقائها في محيطها العربي الذي بدأ منذ الدفع بالمبادرة الخليجية في أبريل 2011.
لذلك فإن مارتن غريفيث، الذي عرض خطته للحل الشامل على أعضاء الاتحاد الأوروبي في يوليو 2018، وضع مسألة مهمة أمام الأوروبيين وهي محاولة إيران الادعاء بأنها تمتلك القدرة على تحريك الملف اليمني سياسيا، وأن محاولتها، سواء عبر تصريحات رئيسها روحاني أو وزير خارجيتها جواد ظريف، تسويق ذلك الادعاء تعتبر أمرا غير واقعي، وهذا يؤكد أن العملية العسكرية في الساحل الغربي من اليمن استطاعت تحريك المسار السياسي وإن كان هذا التحريك ضعيفا ودونما تأثير يذكر، غير أن الأهم أنه حدث إحياء للمسار السياسي دون أن يكون لإيران أي حضور حقيقي وعملي، وهو ما استدعى من زعيم حزب الله حسن نصرالله إعلان تأييده للحوثيين عبر خطاب تلفزيوني، كما أن الحشد الشعبي العراقي أكد استعداده لتقديم الدعم للحوثيين في محاولة إيرانية لتأكيد مزاعمها حول ما يمكن أن تقدمه من تنازلات في ملف اليمن مقابل الإبقاء على الاتفاق النووي.
المراهنة الإيرانية تدور في الفلك الخاطئ لما يجري في اليمن، ومع ذلك فإن ما يجب استدراكه أن حصول الحوثيين على مكتسبات سياسية سيعني شكلا مختلفا لليمن وسيتم تجاوز الكثير من الافتراضات الأساسية التي تبدأ بمنع ميليشيات الحوثي من استنساخ دور حزب الله في أي تسوية سياسية، فهذا خطر سيهدد الإقليم العربي قبل أن يُخضع المجتمع اليمني لشكل مغاير عن طبيعته وامتداده العربي، كما أن فكرة غريفيث بتشكيل مجلس عسكري ستتيح للحوثيين المناورة والاحتفاظ بجزء من أسلحتهم التي وصلتهم من إيران عبر سنوات سيطرتهم على ميناء الحديدة، خاصة وأن عملية تحرير مطار الحديدة كشفت عن مخازن أسلحة إيرانية تؤكد حجم التسليح الإيراني للحوثيين.
السلام في اليمن فرصة أمام المجتمع الإقليمي والدولي لتصحيح المسار السياسي والاقتصادي، والمساهمة في انتشال اليمن من أزماته التي تعقدت جراء انعدام النخب السياسية اليمنية القادرة على قيادة اليمن جنوبا وشمالا، ومع ذلك فإن على غريفيث أن يعي بأنه بمنهجيته التي تحاول دمج المسارات المختلفة السياسية والأمنية والإنسانية فهو يذكّر بطبق من أشهر أطباق المطبخ اليمني يسمى “المجموع”، وهي طبخة توضع فيها كل أنواع الخضار الموجودة في وعاء واحد وتقدم باسم طبق المجموع، وهي كالسياسة اليمنية التي جمعت بين الملكية والجمهورية بعد ثورة سبتمبر 1962 عندما عجز الضباط الأحرار عن استكمال ثورتهم، فزاوجوها بين الجمهورية والملكية عبر القبيلة فخرج الناتج اليمني دولة فاشلة.