تجنيد الأطفال في حرب اليمن.. القنابل الموقوتة
هاني مسهور
حتماً ستنتهي الحرب في اليمن وستترك خلفها من المآسي الكثير وسيتعيّن على اليمنيين معالجة ما سببته هذه الحرب من دمار وتخريب طال البنية التحتية التي كانت هشّة قبل الحرب ولم تكن ذات قوة يمكن حتى الحديث عن أنها شيء يذكر.
كل ما أوقعته الحرب من أضرار مادية سيجد مطالبين باسم الإعمار وفي ذواتهم هم مجموعات الفساد التي تنتظر حصتها من الإعمار كما نالت حصتها من الحرب، فتجار الحرب هم الرابحون في بلد كاليمن تعتبر الحرب فيه أقرب إلى صفقة تجارية يكسب فيها التجار وحتى الوسطاء، وأمام حقيقة انعدام المسؤولية الوطنية تنعدم المسؤولية الأخلاقية تجاه ما تم اقترافه بحق أطفال اليمن من جريمة تجنيدهم في هكذا صراع دموي.
لا يخجل الحوثيون من إبرازهم لصور القتلى من الأطفال في الحرب، بل يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك بنشرهم مقاطع لأطفال لم يتجاوزوا سن العاشرة من أعمارهم وهم يرددون شعار “الصرخة” المملوء بخطاب الكراهية وهم يحملون على أكتافهم البنادق، مشاهد مروّعة للآلاف من الأطفال الذين يتمترسون خلف المتارس في جبهات الحرب، ولا يخشى الحوثيون من جريمتهم وانتهاكاتهم بحق الأطفال، بل إنهم يواصلون أمام العالم التجنيد والزج بالأطفال في الحرب المستعرة في صمت من منظمات الأمم المتحدة.
انتفض العالم عندما بث تنظيم داعش الإرهابي مقاطع تلفزيونية لتدريب الأطفال في سوريا والعراق عندما كان يبسط نفوذه على مساحة منهما، هو العالم نفسه والعواصم ذاتها التي غضبت لأجل أطفال سوريا والعراق وهي ذات العواصم التي ترى وتتابع ليس تدريبات للأطفال على الحرب، بل متابعة أطفال يقاتلون في الحرب نفسها ويحملون بأيديهم القنابل والرصاص. مفارقة صادمة بين تعامل العالم مع جريمة داعش وجريمة الحوثيين، مفارقة تصيب بالخيبة من هذه العواصم التي لا ترى في ما يحصل لأطفال اليمن جريمة تستحق العقاب عليها.
كتب نائب الرئيس اليمني خالد بحاح مقالة بعنوان “أطفال اليمن بين الحقيبة المدرسية والكلاشينكوف” جاء فيها “لازالت ذاكرتي تستعيد ذلك المشهد لذلك الطفل البريء ذي الأربعة عشر عاما بين زملائه الأطفال، ضمن مجموعة من الحراس الذين زرعتهم ميليشيات الحوثي حول منزلي في صنعاء إبان فترة الإقامة الجبرية في 2015، والأكثر دهشة تلك الإجابة الصاعقة التي أجاب بها هذا الطفل، عندما سأله أحد حراسي الشخصيين: لماذا أنتم هنا؟ فقال نحن نجاهد في سبيل الله! تلك الحادثة من تلك الأيام الخالية بمرارتها، خطرت على بالي مجددا وأنا أطالع ذلك التقرير الصادم الذي صدر عن هيئة الأمم المتحدة يوم الجمعة الثالث من يونيو 2016. لقد أذهلتني جرأة معدّي التقرير في تجاوز وقائع تجنيد ميليشيات الحوثي لآلاف الأطفال اليمنيين واستخدامهم كوقود لمعارك عبثية، في الوقت الذي يتسابق فيه نظراؤهم في بقية دول العالم لتحصيل الدرجات العلمية، وممارسة هواياتهم ورياضة كرة القدم في الحدائق والمتنفسات العامة، وينتظرون بفارغ الصبر ليلة العيد ليحتفلوا مع ذويهم وينثرون البهجة والفرح في المجتمع”.
ولتأكيد ما ذهب إليه بحاح، فإن تقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في يناير 2018 أكد على ثبوت جريمة تجنيد الأطفال في حرب اليمن، وبحسب تقرير لمنظمة سياج الحقوقية في اليمن، فإن نسبة تجنيد الأطفال في صفوف الحوثيين، وصلت إلى 50 بالمئة، ووصل عدد الأطفال المجنّدين لديهم ممن تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام وسبعة عشر عاما، إلى 8000 طفل (التقرير نشر في يونيو 2016) أي أن هذه الأرقام تضاعفت أكثر من أربع مرات، أي أن الأطفال المجنّدين قد يبلغ تعدادهم من ثلاثين إلى أربعين ألف طفل دون السابعة عشرة من العمر.
قدم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وكذلك الهلال الأحمر الإماراتي برامج متخصصة لتأهيل الأطفال الأسرى في حرب اليمن، بينما تقتصر جهود الحكومة الشرعية على التنديد عبر بيانات وإحصاءات صادرة عن وزارة حقوق الإنسان التي لا تملك إمكانيات تؤهلها للقيام بالدور المطلوب منها، فيما تفشل وزارة الإعلام في ترجمة العشرات من التقارير التي تبثها القنوات العربية المتخصصة كقناة العربية وسكاي نيوز عربية وإعادة بثها مترجمة لإيصال مضمونها للمنظمات الدولية.
يبقى أن على وزارة الخارجية اليمنية أن تطلب جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي لعرض جريمة تجنيد الأطفال، وإصدار قرار بإحالة المتورطين في هذه الجريمة إلى محكمة الجنايات الدولية واعتبار الجريمة جريمة حرب بموجب القانون الدولي طبقا لما نصت عليه المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول، ووفق المادة 38/4 من اتفاقية حقوق الطفل “تتخذ الدول وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح”.