لم تسقط الإمامة ولم تنتصر الجمهورية!
منصور صالح
الإمامة لم تنتصر على الجمهورية في شمال اليمن في 21 سبتمبر 2014م، وبالتالي لم يسقط شيء اسمه «الجمهورية».
الواقع الذي يتهرب من الاعتراف به كثيرون هو أن الجمهورية لم تقم أصلاً، وأن الملكية لم تسقط كما يتوهم الناس في 26 سبتمبر 1962م، بل ظلت قائمة وتحكم وتكرس ثقافتها وإن كان ذلك باسم الجمهورية، إذا ما عرفنا الجمهورية بأنها مجموعة القيم والمكاسب المحققة للمجتمع.
كانت سبتمبر 62م محاولة للثورة، وإنهاء لحكم الإمامة، نجحت في الإطاحة بالإمام كشخص، لكنها فشلت لاحقاً في التخلص من ثقافته ومن أتباعه الذين عادوا للحكم، بعد الصلح بين الجمهوريين والإماميين.
خلال ما يزيد عن خمسين سنة مما سمي بالثورة ظل الإمام حاضرا بثقافته ونظامه، وفي المقابل لم يحضر أي شكل من أشكال الجمهورية أو الدولة المنشودة، التي كان الناس يسمعون عنها في الإعلام الحكومي الجمهوري، مع فارق أن الإمام كان يحكم منفرداً، وبعد هروبه حل محله ألف إمام وإمام.
خمسون عاماً ويزيد، كان فيها قيد الإمام، وسجونه، وثقافته، وعاداته، هي أبرز قوانين الجمهورية السبتمبرية، الشيء الوحيد الذي غاب هو أن الإمام كان عادلاً في ظلمه، فالكل مظلومون، ومحرومون في مملكته، أما الجمهوريون فقد ميّزوا ومازالوا يميّزون حتى اللحظة بين الناس، فهذا ابن عز يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، وذاك يولد ويموت وعلى جبينه تنحت بشارات الظلم والحرمان والتهميش في جمهوريتهم المزعومة التي فصّلوها على مقاساتهم وعائلاتهم.
حين قامت حركة سبتمبر 62م كانت لها أهداف نبيلة فعلاً، لكنها لم تنجح ولم يحكمها قادتها الحقيقيون الذين قتلوا وشُرّدوا، بل حكمها رجال الإمام ذاتهم، حتى وصلت إلى قبضة عفاش الذي كانت فترة حكمه الطويلة أسوأ فترة حكم في التاريخ، فلا هي جمهورية ولا هي ملكية، بل مثّلت خليطاً من تقاطع مصالح اللصوص والقتلة والفاسدين وأراذل البشر وأسوأهم على الإطلاق، الذين لم يكتفوا بسرقة البلد وخرابه، بل أصرّوا ومازالوا يصرّون على أن فترة حكمهم هي الفترة الذهبية وعصر الإنجازات العملاقة.
فشلت حركة سبتمبر 62م في إحداث تغيير ملموس ومقنع للناس بوجود تغيير إيجابي في حالهم عمّا كان عليه في عهد الإمام، فلم تقم دولة، ولم تقم جمهورية، بل إن الشعب ذاته لم يتعرف على شيء اسمه مفهوم الدولة وثقافة المؤسسات والنظام والقانون، ولذلك كان سهلاً حشدهم بالملايين في شوارع صنعاء ومدن الشمال للطم خدودهم والهتاف بحياة أحفاد الإمام.
لو أن «سبتمبر» أحدثت تغييراً حقيقيا في واقع الناس ما كان من السهولة أن تتخلى عن مكسب كهذا، وكانت ستدافع عنها كما هي تقاتل اليوم دفاعا عن السيد وقوانينه التي توزع الرعية بين قناديل وزنابيل.
في الواقع، ما يحدث اليوم في الشمال ليس نتيجة مؤامرة كونية - كما يزعم كثيرون - على هذا الشعب، بل هو نتيجة فشل قياداته التي خذلته لأكثر من خمسين عاماً، ظلت خلالها تنهبه وتسلبه باسم الجمهورية، ثم تقمعه وتكافئه بتكبيله بقيود الإمام وزنازينه، وإذا كانت هناك من أطماع وتدخلات خارجية فهي ليست سوى استثمار لحالة الفشل المستمر منذ نصف قرن ويزيد.