في اليمن.. الأوبئة تزاحم بارود الحوثي في القتل
رأي المشهد العربي
ليست الحرب التي أشعلت فتيلها مليشيات الحوثي الانقلابية وحدها التي تقتل ببارودها الشعب اليمني، ولكن أصبحت الأمراض والأوبئة تزاحم هذا البارود في حصد الأرواح في بلد يتعرض لأكبر أزمة إنسانية في التاريخ.
فالأمراض والأوبئة وانعدام الأصناف الدوائية وارتفاع أسعار الخدمات العلاجية ونزوح الفرق الطبية وهروبها خوفا من بطش الحوثي أو الحروب الناتجة عن ما خلفته المليشيات الإرهابية، والفقر الناتج عن الأزمات الاقتصادية والمجاعات كل ذلك وأكثر كان له تأثير في انهيار الحياة الإنسانية باليمن.
وكأن الحرب ليست بكافية على هذا الشعب، لتضج حياته بالأمراض الناتجة عن حرب اشتعلت منذ 4 أعوام، تسببت فيها مليشيا الحوثي الانقلابية حين استولت على محافظات وأراضي يمنية بمناطق مختلفة، بقوة السلاح.
وعلى الرغم من مساعي الجنوبيين والقوات المشتركة بمساندة التحالف العربي بقيادة السعودية، لاستعادة الدولة من قبضة المليشيات أدت الضربات الجوية العربية والمقاومة الشعبية على الأرض إلى تحرير نحو 90% من أراضي البلاد حتى الآن.
وخلال تلك الحرب تسببت المليشيا في انهيار الاقتصاد، وفشلت حكومة هادي في السيطرة عليه ما خلف مجاعات وإهمال لا حدود لهما كانت نتيجته انتشار أمراض عديدة منها ما هو نادر الوجود مثل مرض الدفتيريا الذي تفشى داخل بعض المحافظات اليمنية لعل أهمها كانت صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
ومرض الدفتيريا(الخناق) أحدث ما أعلنت المنظمات الأممية تفشيه في اليمن، الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، و"الخناق" كما تعرفه
منظمة الصحة العالمية مرض معدي حاد تسببه السموم التي تنتجها بكتيريا تدعى بكتريا "الخناق الوتدية"، ويؤثر المرض على الحلق واللوزتين وهما الشكلان الأكثر شيوعا من المرض، وتشمل الأشكال الأخرى للمرض الالتهابات الجلدية.
وفي نهاية عام 2017، أعلن مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن عبر تغريدة على حسابه بتوتير تفشي الوباء بسرعة بعد ظهوره مؤخراً مشيرة إلى أنها سجل 120 حالة تشخيص سريرية و14 حالة وفاة، وكان معظمهم من الأطفال.
وكانت آخر ضحايا المرض هي الطفلة خلود الحوري ذات الـ8 أعوام والتي تسكن في منطقة الحتارش بصنعاء حيث توفيت في مستشفى السبعين بعد أن أصيبت بالمرض في 11 أكتوبر الجاري، وتم نقلها إلى المستشفى بعد أسبوع من الإصابة، ورغم تلقيها العلاج في العناية المركزة ثلاثة أيام، إلا أنها فارقت الحياة.
ومن جانبها أوضحت مصادر بالصحة أن عدد حالات الإصابة بمرض الدفتيريا في صنعاء وحدها بلغ حتى 17أكتوبر الجاري، 231 حالة، لافتة إلى أن عدد الإصابات بالدفتيريا منذ بدء انتشار الوباء العام الماضي، وفي كافة المحافظات، بلغ 2573 حالة بينها 1491 طفلاً، في حين بلغت حالات الوفيات 142 حالة، بينهم 126 طفلا.
ويعد هذا الوباء الثالث، الذي تعلن المنظمات الدولية عودته لليمن بعد سنوات من التخلص منه، بعد مرض التهاب السحايا الذي أبلغ بتفشيه مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أوك لوتسما، في العام الماضي.
وكان آخر انتشار لمرض الدفتيريا في اليمن عام 1992، قبل أن يظهر مجددا نتيجة للأوضاع المعيشية والبيئية الصعبة التي رافقت الحرب المتصاعدة منذ الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران.
وسُجل ظهور الوباء في اليمن عام 1988، عندما ظهر وباء إقليمي بعد موسم الحج، وتتسبب به أكثر من 50 نوعاً من البكتيريا تعيش في الأغشية المخاطية للأنف والحنجرة أو الحلق، وتتمثل أعراضها الأكثر شيوعاً في إصابة المصاب بصداع شديد وتيبُّس العنق، وصولاً إلى إصابة المصاب بطفح جلدي، لافتاً إلى أن أعراض الوباء في أوساط الأطفال غير مُحدّدة مثل التهَيُّج والنعاس.
مرض الكوليرا
لم تكن الدفتيريا المرض الوحيد الذي أصاب اليمنيين، فالكوليرا ضمن الأمراض التي أعلنت منظمة الصحة عن عودتها، نتيجة تردي الأحوال الإنسانية والبيئية التي خلفتها الحرب، حيث تفشى وانتشر مرة أخرى مع بداية العام الماضي 2017، الذي أدى لوفاة أكثر من 2200 حالة.
ويبقى تفشي وباء الكوليرا الأسوأ في اليمن، كما تقول الأمم المتحدة وتعتبره منظمة "أوكسفام" الأكبر في العالم، مع حصده أرواح ما لا يقل عن 2202 شخص في اليمن، فيما سُجِّل 926 ألفاً و187 حالة يشتبه في إصابتها بالوباء، وفق تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية.
وقالت المنظمة إن حالات الإصابة سُجِّلَت في 22 محافظة يمنية، من أصل 23، مشيرة إلى أن المحافظات التي فيها أكبر عدد من الإصابات في العام الماضي، هي حجة والحديدة والعاصمة صنعاء.
لكن الوباء بدأ يسجل تراجعا نتيجة جهود مكافحته، غير أن المنظمات الدولية تشدد على ضرورة الاستمرار في المراقبة الدقيقة للحالات المشتبه بها، حتى لا ينتشر المرض مجدداً.
الجمرة الخبيثة بتعز
في نهاية العام الماضي أعلن مكتب الصحة العامة بمحافظة تعز تسجيل حالة إصابة بمرض الجمرة الخبيثة في المحافظة التي تعيش وضعاً صحياً مأساوياً يتفاقم يومياً نتيجة الحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي على المدينة، وهو ما يمكن اعتباره الوباء الرابع وإن لم ينتشر كثيراً.
وتعد "الجمرة الخبيثة" من الأمراض البكتيرية التي تصيب الحيوانات الثدية آكلة العشب، وينتقل في الغالب عبر الاتصال المباشر بين الإنسان والحيوانات المصابة، ويصيب الجهاز التنفسي والبلعوم والجلد.
والجمرة الخبيثة من الأمراض التي سبق أن اختفت في اليمن، وكان آخر ظهور له في ثمانينيات القرن الماضي، لكن عودته جاءت بسبب انهيار المنظومة الصحية في المحافظة وعدم مراقبة الحيوانات المصابة.
وأكد أن العلاج متوفر واللقاح رخيص الثمن، وأن المرض ليس خطيراً، لكن المشكلة تكمن في سرعة انتشاره والأعراض السريعة التي تحدثها البكتيريا المسببة للمرض، لا سيما أن الأوضاع الصحية منهارة في تعز الأكثر كثافة بالسكان في اليمن.
حمى الضنك
ولم تكن ضمن الأمراض الثلاثة التي أعلنت عنهم منظمة الصحة العالمية، إلا أنه انتشر بشدة خاصة في المحافظات الساحلية، في الفترة مابين نهاية 2014 و2015، أي الفترة التي ظهرت فيها مليشيا الحوثي، وقبل تحرير تلك المحافظات من قبضتهم.
وبحسب تصريحات الدكتور صالح الدوبحي منسق برنامج مكافحة الضنك في محافظة عدن، فإن المرض انتشر في فترة الحرب عام 2015، بصورة مرعبة، حيث أصيب في عدن وحدها نحو 6000 مواطن.
كما أكدت دراسة مخبرية، صدرت عن مؤسسة الإعلام الصحي بتعز، أن انتشار حمى الضنك بلغ نسبة 65% في أوساط السكان.