احلام ضلت الطريق
محمد عبدالله الموس
لا أحد فينا يكره أن نتشارك العيش بكرامة في وطن يحفظ حقوق أبناءه على قدم المساواة في الحق والواجب، لكن هناك من ينكر حق الآخر في التعبير عن وجهة نظره، ولا نظن أن هناك من ينكر أن ثقافة تبادل المصلحة هي ما يصنع الإستقرار، بدأ من بين أبناء الشارع الواحد وإلى ما بعد الوطن الواحد، لكن علينا أن نقر بأن فينا من ادمن ثقافة الصراع وأصبحت سلوكا يصعب على التقويم.
ثقافة الصراع التي عصفت بالجنوب منذ ما قبل الاستقلال الأول في ١٩٦٧م خلقت في الأجيال المتعاقبة نزعة الاستقواء، احيانا بالجماعة وأحيانا بالجغرافيا وظهرت الآن نزعة الاستقواء بالقبيلة في بعض المناطق، وكلنا يعلم الى ان هذه الثقافة هي ما أوصلنا الى الحضيض ومنه الى باب اليمن، ورغم ان كلنا ينتقد ويلعن هذه الثقافة لكنا عجزنا عن مغادرتها.
غادرنا ثقافة الصراع هذه مرتين، مرة في ١٣ يناير ٢٠٠٦م بإعلان التصالح والتسامح الجنوبي ونتج من رحم هذا الإعلان انطلاق الحراك الجنوبي، ثم عادت هذه النزعة في ٢٠٠٩م لتمزق هذا الحراك إلى فرق مشتتة كان للخصوم دورا في صناعتها.
اما الحالة الأخرى التي غادرنا فيها هذه الثقافة فكانت في مارس ٢٠١٥م عند مواجهة الغزو الثاني للجنوب ولا لزوم لذكر النتائج الإيجابية الناتجة عن ذلك، فكلنا عاصرناها يوم بيوم وخطوة بخطوة.
دعا رئيس المجلس الانتقالي إلى حوار جنوبي وتم الترحيب بهذه الدعوة من مختلف الطيف الجنوبي، وكان لي شرف المشاركة في بعض اهم الحوارات، واهم ما يمكنني قوله في هذا المقام هو أن مجرد سماع بعضنا يمثل نصف المسافة، أن لم يكن اكثر، وأن إختلاف وجهات النظر في بعض التفاصيل يجعل أحدنا ينحني احتراما لأصحابها.
صحيح أن هناك رؤوسا لا زالت مسكونة بثقافة الصراع من هذا الطرف أو ذاك، وأن البعض لم يدرك بعد أهمية القبول بالآخر لنقدم أنفسنا للعالم كصناع للاستقرار والتعايش في بقعة من الأرض تهم الجوار والعالم، لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.
ما نحتاجه الآن هو الوعاء الذي يجب أن تصب فيه نتائج هذه الحوارات أو الفريق الجنوبي الواحد الذي يجب أن يعكسها في صورة ما تلبي أحلام أبناء الجنوب العربي.
أحلامنا تستحق أن نتوحد من أجلها كما توحدنا في ٢٠٠٦م و٢٠١٥م، فحلم أبناء الجنوب في الحرية والاستقلال أصبح في أيدي النخبة الجنوبية بعد طول تضحيات، ويقع على زملائي في المجلس الانتقالي الجنوبي الجزء الأكبر من المسؤولية بوصفهم اصحاب الدعوة إلى الحوار وهم الإطار السياسي الجنوبي، الأوسع والأهم.
أن العيش في وطن آمن وحر حلم يستحق أن نرتفع إلى مستواه، قبل أن يضل الطريق ويلحق بركب الأحلام الضائعة للاجيال التي سبقتنا.