رحيل المسبار الذهبي
غادر دنيانا الفانية صاحب القلب والقلم النبيل نجيب محمد يابلي، غادر الى حيث سنذهب جميعا وان تفاوتت اوقات الرحيل، والى حيث ذهب قادة وعظماء تركوا بصمات لا تنمحي من وجدان البشرية على مر العصور، غادرنا نجيب بهدؤ كهدؤ طبعه، واتخيله غادر بنفس الابتسامة التي لم تكن تغادر محياه في كل الظروف.
حين انهار كل شيء في الجنوب، ورحل عن الجنوب من رحل، وألتحق بزمن (الدحبشة) من ألتحق، الدحبشة ثقافة وليست جنس او لون، اقول، حين انهار كل شيء في الجنوب بقي هناك نفر قليل من الرجال الذي لم ينهاروا معنويا، كان هشام باشراحيل وكل آل باشراحيل، وكانت كتيبة الايام وكتابها، وكان نجيب يابلي احد اركانات تلكم الكتيبة ويتقدم كوكبة كتاب الايام الذي كان لي شرف الالتحاق بها فيما بعد.
كان هشام ونجيب وغيرهم وكعبة الجنوب (الايام)، كانوا يمثلون الشريان الذي يغذي الروح الوطنية الجنوبية لدى الانسان الجنوبي، تذكرني بمقولة الزعيم تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية في حق الزعيم الفرنسي شارل ديجول، حين كان قائدا لبقايا الجيش الفرنسي الذي انسحب سباحة عبر المانش الى بريطانيا بعد سقوط فرنسا بيد النازية الهتلرية، قال تشرشل (لقد انهارت فرنسا كلها، دولة وجيش وعتاد وروح معنوية، ماتت فرنسا تماما، الا ان هناك شخصا واحد لم يمت من داخله وهو من أحيا فرنسا من جديد، ذلكم هو شارل ديجول).
كان نجيب كاتبا قوي الحجة، وفي بعض كتاباته يستدعي حججه من عمق التاريخ، كمقالته بعنوان، النقش العاشر في صحيفة الايام، اورد ذلك كمثال، وصرت بعدها اداعبه بلقب (المسبار الصحفي)، كان موسوعة ومرجع يعتد به لمجمل العمل الوطني المعاصر في الجنوب، وكثير ما تتم الاستعانة به ليراس الورش والندوات التي تقيمها القوى السياسية في الجنوب.
لا تغادر ذاكرتي يا نجيب واقعة ذهابنا معا وبصحبة الوالد حسين الفقير، اطال الله عمره، الى جهاز الامن السياسي (جهاز العسس) بسبب مقال لك في الايام، تذكرنا يومها مقولة عطر الذكر هشام محمد باشراحيل، حين قال لنا (تنقطع يدي لو سمحت بنشر اي اساءة لجنوبي في السلطة) وكأني بأبي باشا يقرأ الحاضر، حينها، لكن بعيون المستقبل.
قد تكن تركت فراغا كبير في الايام خصوصا وفي الصحافة العدنية عموما، لكنا على يقين ان تلاميذ مدرستك سيغطوه، ولو نسبيا.
رحمة الله تغشاك يا مسبارنا الذهبي، نجيب محمد يابلي، واسكنك الجنة مع الشهداء والصديقين، وعصم قلوب اهلك ومحبيك بالصبر.
انا لله وانا اليه راجعون
عدن
٤ ابريل ٢٠٢٢م