كويت الإنسانية
منصور صالح
حين ارتكب صدام حسين حماقة احتلال الكويت في العام 1990، خرج مئات الآلاف من اتباعه في اليمن، يجوبون محافظات الشمال هاتفين بحياته، ومطالبينه باستخدام السلاح الكيمياوي لإبادة شعبي الكويت والسعودية،من خلال ترديد شعارهم الشهير يومها” بالكيماوي ياصدام ” فيما كانت مناطق ومحافظات الجنوب تشتعل غضباً ضد صدام وجيشه معلنة تضامنها المطلق مع شعب الكويت، أحب شعوب الأرض إلى الجنوبيين،كما يحلو لهم تسميتهم.
احتفى الشمال بحماقة وتعالي صدام، وإعلانه الكويت محافظة تابعة للعراق، فيما بكى الجنوب لما حل بأشقائهم مطالبين صدام بالانسحاب ووقف جرائمه بحق شعب مسالم ومثالي لم يصدّر للعالم إلاّ الخير والثقافة وقيم التعايش.
في الجنوب اليمني، بكى الشباب، والرياضيون لاستشهاد شيخ الرياضيين البطل، الشهيد فهد الأحمد الصباح،ورُفعت صوره في المسيرات الغاضبة التي لم تتوقف في مدينة عدن، وغطت وسائل الإعلام بحزنٍ خبراستشهاده متناولة بطولاته وشجاعته وهو يواجه العدوان الهمجي على بلاده، ونشر رياضيون وإعلاميون مقالات تتحدث عن انجازات الرجل، وتواضعه،ولم ينسوا ان يرفقوا بذلك صورهم إلى جواره حين زار عدن بصفته رئيساً للجنة الأولمبية الآسيوية.
كانت أزمة احتلال الكويت أولى علامات التباين الشمالي الجنوبي الذي تصاعد لاحقاً، ورغم ان غزو الكويت تم بعد أقل من ثلاثة أشهرعلى تحقيق وحدة اليمن في مايو 1990، إلاّ ان ذلك لم يمنع الجنوبيين من الوقوف في وجه نظام علي عبدالله صالح المؤيد للغزو، إذ رفض نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض،المنتمي للجنوب حينها،مقترح صالح إصدار بيان رئاسي تأييداً لهذا الغزو، بل غادرالبيض إلى بغداد في محاولة لإقناع صدام بمراجعة حساباته والانسحاب من الكويت، لكن من دون فائدة.
يحتفظ الجنوبيون بكثير من الجميل لدولة الكويت، التي ساهمت في دعم البنية التحتية للدولة الجنوبية، إذ أنشأت عدداً كبيراً من المدارس والكليات والمشافي، ناهيك باحتضانها لآلاف المغتربين الجنوبيين، ومعاملتهم بكرم وحفاوة، لا يكادون معها ان يشعروا بأنهم خارج بلدهم.
ويبدو الحال مغايراً شمالاً،رغم ماقدمته الكويت من دعم سخي واقامتها لمشاريع عملاقة،أبرزها جامعة صنعاء ومستشفى الكويت، إلاّ أنه ورغم ذلك فضّل نظام صالح نظام البعث على مشاريع الكويت وخلفه خرج مئات الآلاف يهتفون بحماقة “بالكيماوي ياصدام”.
ولأن الكويت دولة عظيمة رغم صغرها مساحةً وسكاناً، إلاّ انها وبعد انتصارها، تسامت على جراحها، ورغم الألم من خذلان بعض الأشقاء، فعفت وتسامحت، ولم توقف دعمها حتى لمن وقف ضدها وهتف، وربما دعم فكرة زوالها من الوجود، وكان ذلك درساً مؤلماً لأولئك الذين ظلوا لسنوات ورغم توثيق مواقفهم السابقة بالصوت والصورة،يتحدثون عن مواقف لم تحدث،مدعين انهم كانوا إلى جوار الكويت في محنتها.
تستحق الكويت،أميراً وحكومةً وشعباً،منا كل التهنئة والإكبار وهي تحتفل اليوم بعيدها الوطني الخامس والعشرين، ماضية بعنفوان وشموخ صوب العلياء والمجد، توزع خيراتها على اصقاع الأرض، في صورة تستحق كل الإعجاب والثناء.
لك المجد والعز ياكويت الخير والتسامح والإنسانية، وأنت تنهضين بثقة، وبعيون شاخصة انظارها نحو المستقبل، غير آبهة بالماضي، وجراحه ومآسيه.
*نقلا عن السياسية الكويتية