تجربة أرض الصومال التي لم نستفِد منها

 أرض الصومال من البلدان الأفريقية العربية التي كنت اتوق إلى زيارتها، لما يتناهى إلى مسامعي عن نضال شعبها طوال ثلاثة عقود من أجل فك الارتباط بـ(مقاديشو) وما قرأت عن هذه الأرض الطيبة والبكر التي لم يعترف بها دولياً، بعد، رغم مضيها في صعد الحياة المختلفة، تشق طريقها بصمت وبتؤدة وبحب أبنائها وثبات قيادتها السياسية، رغم مختلف الصعوبات والمعاناة التي تقف، أحياناً، حائلاً دون تحقيق كثير من الطموحات. 

  أرض الصومال، بلد تمخر سفينته عباب بحر عميق، تتلاطمه الأمواج من كل الاتجاهات، إلا أنها تمضي بتحدٍ عجيب ونادر. 
  شد ما لفت أنظارنا، نحن الوفد الإعلامي الجنوبي والمكون من خمسة من أبرز الكتاب والصحفيين الذين حظوا بتوجيه دعوة من خارجية جمهورية أرض الصومال، للمشاركة في احتفالات قيادتها السياسية وشعبها بالذكرى (28) لاستقلالها عن مقاديشو، حب شعب أرض الصومال لبلادهم وشعورهم بالفخر بتاريخهم وبقيادتهم السياسية التي تتغير في كل مرحلة انتخابية رئاسية وبرلمانية دون استعراض القوة بالسلاح أو التخوين أو مظاهر (البلطجة)، لا شيء غير الصندوق وهو الحكم والفيصل. 

  نالت أرض الصومال استقلالها من بريطانيا في 26 يونيو 1960م، بعد احتلال دام سبع وسبعين سنة. وما هي إلا أياماً معدودة حتى تم تنازل الشماليين عن سيادة أرضهم لجنوب الصومال وعن مناصبهم السياسية ونادوا بتوحيد الأرض من أجل تحقيق جمهورية الصومال على طريق تحقيق دولة الصومال الكبرى واستعادة القومية الصومالية التي نالها التشتت والتفكك إبان الاحتلال البريطاني للشمال والاحتلال الإيطالي للجنوب وتقسيم الأرض الصومالية إلى خمسة أجزاء، منها جيبوتي التي احتلتها فرنسا ومناطق هاود وضواحيها التي أهدتها بريطانيا لدولة أثيوبيا، كما ضمت أراضي شمالية حدودية مع كينيا إلى كينيا. وتمت الوحدة رسمياً بين شطري الصومال في 1 يوليو 1960م. 

  ومنذ السنة الأولى من الوحدة ذاق أبناء شمال الصومال مرارة العيش وصنوف القهر والهوان. وسقطت أقنعة الجنوبيين المتربصين بثروة الشمال، واتضح بأن أخوة الدم والتاريخ والأرض غير جادين وأن الحلم بدولة الصومال الكبرى لن يتحقق في ظل الاستبداد والاقتتال بين الأخوة. وحتى لا تستمر الكارثة لتأكل الأخضر واليابس، تم التداعي لإنقاذ ما تبقى من شمال الوطن بعد أن تم الإعلان عن تأسيس حركة التحرير الوطني الصومالية في منتصف الثمانينات ومقرها في لندن وهي التي دعت إلى تكاتف أبناء شمال الصومال، بمختلف فئاتهم ومكوناتهم السياسية والاجتماعية. وبعد التسامح والتصالح فيما بنهم تم الاتفاق والإعلان عن فك الارتباط والاستقلال عن الجنوب، وهكذا كان وتم الإعلان عن جمهورية أرض الصومال في 18 مايو 1991م. 

 تجربة فريدة ومتميزة خاضها وما زال يخوضها الصوماليون في أرض الصومال المستقلة، فهي قد أكدت للعالم الذي لم يتبنَ قضيتهم بعدالة ومنحهم الثقة، بأنهم قادرون على تأسيس دولة مستقرة في القرن الأفريقي وأنهم يستطيعون تحقيق النجاح في توفير الحياة الكريمة للإنسان في هذه الرض. وقد حرصت الدولة بقيادة رئيسها المحبوب، هناك، موسى بيحي عبدي، على العمل في اتجاهين رئيسيين أولهما بناء الاقتصاد وثانيهما بناء الإنسان. وهما اتجاهان متوازيان ومساران متناسقان لا يتعارضان. وسنأتي على ذكر ذلك في مواضيع أخرى لاحقاً. 

 سؤال برز إلى ذهني وأنا أجوب شوارع (هرجيسا) الترابية ـ مع احتفاظها بنظافتها ورونق مبانيها ومحالها التجارية ومطاعمها وفنادقها وحتى بسطات الباعة البسطاء ـ لماذا لم يستفد قادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من تجربة بيّنة أمامهم، قبل التوقيع على اتفاقية الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية؟! سؤال بالفعل يحيرني حتى اللحظة.