معركة شبوه ترسم معالم الحسم والسلام

تكتسب محافظة شبوه بعداً جيوسياسياً بالغ الأهمية في منظومة الأمن والسلم في المنطقة، فهي منطلق لتعزيز الروابط الاقتصادية، والممرات البرية، بين شرق الجنوب وغربه، كما تطل على خليج عدن والمحيط الهندي، الممر البحري الملاحي الدولي الرابط بين الشرق والغرب، كما تحوي مخزون كبير من النفط والغاز المسال، والعديد من المعادن والثروات المكنونة في باطنها، وفيها يقع ميناء بلحاف وتقام فيه أبرز منشأة لتصدير الغاز المسال في المنطقة، عوضاً عن المقومات الاقتصادية الأخرى في مجال الزراعة والاصطياد البحري والثروة الحيوانية.

كانت محافظة شبوه قبل مجيء قوات النخبة الشبوانية مسرحاً لعمليات تهريب السلاح للجماعات الإرهابية من مأرب والبيضاء إلى المحافظات الجنوبية. وممراً لتهريب السلاح والمشتقات النفطية لمليشيات الحوثي الانقلابية، القادمة من المهرة عبر طريق العبر في وادي حضرموت، وساحة لعصابات التقطع والحرابة. فضلاً عن تمكن قوى النفوذ من إحياء قضايا الثأر والنزاعات القبلية بين قبائل محافظة شبوه في ظل غياب أجهزة الضبط والقضاء.

علاوة على أن محافظة شبوه كانت ساحة للجوء عناصر الجماعات الإرهابية، إثر مطاردتهم وحصارهم من قبل الحزام الأمني في عدن غرباً، والنخبة الحضرمية في ساحل حضرموت إلى الشرق من شبوه، مما دفع العناصر الإرهابية لحصر تحركاتها بين مأرب والبيضاء وأبين وشبوه، وكادت أن تسقط بعض مناطق شبوه تحت سيطرتها بشكلٍ كامل.

وبمجيء قوات النخبة الشبوانية التي تم تدريبها وتزويدها بالعتاد والمعدات والدعم اللوجستي والمعلوماتي من قبل القوات التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة المشاركة ضمن التحالف العربي، شهدت محافظة شبوه نقلة نوعية في مجال الأمن والاستقرار.

إذ قدمت قوات النخبة الشبوانية نموذجاً فريداً من نوعه من حيث التنظيم والانضباط والسيطرة، وتقليص الأخطاء إلى أدنى مستوياتها، وكانت الجهاز الأمني الأكثر تنظيماً وتنسيقاً وتمكيناً في المحافظات المحررة.
وعملت وبجهدٍ متواصل على مكافحة الإرهاب وتأمين خطوط المواصلات الدولية على طول الشريط الساحلي للمحافظة وحفظ الأمن والاستقرار في كافة مديريات المحافظة، كما عملت ومن جهة أخرى على سحب بساط تأمين المنشآت النفطية ومواقع الامتياز من يد القوات الشمالية التابعة للأحمر، والتي ثبت مشاركتها في نشر الفوضى والإرهاب وزعزعة وتقويض الأمن في المحافظة، لتضمن الانفراد بتقاسم مخصصات حماية شركات النفط الأجنبية مع بقية القوى الشمالية المتصارعة شكلياً والمتفقة على تقاسم النفوذ والعوائد التي تدرها لهم آبار نفط الجنوب. إذ أن تلك الجماعات الإرهابية توفر لقوى النفوذ الإخواني حائط صد لحماية وتأمين مصالحهم ويديم سيطرتهم على خيرات الجنوب وثرواتها.

فإذا أمعنا النظر فسنجد بأن تلك الجماعات الإرهابية لم يسبق لها أن استهدفت المعسكرات التابعة لحزب الإصلاح وميليشيات الأحمر في مأرب وبيحان ووادي حضرموت والمهرة، ولم يسبق لها أن هاجمت ميليشيات الحوثي أو اهتمت بمقاتلة الحوثيين، رغم الشعارات الزائفة التي ترفعها تلك الجماعات والتي تأتي على غرار شعارات الحوثي.

إذ أن الجماعات الإرهابية ترى الأجهزة الأمنية الجنوبية عدوها الأول، كما أنها تضع من يدعم تمكين تلك الأجهزة لتأمين محافظات الجنوب بمثابة عدوُ رئيس لها. مما يفصح عن سر تركيزها على استهداف الإمارات والقوات الجنوبية بشكلٍ خاص، وهي ذات الأجهزة التي يستهدفها حزب الإصلاح الإخواني وميليشيات الحوثي الإيراني، وتتفق معهم على تقاسم الأدوار وتكريس الجهود لمحاربة الإمارات والحزام والنخب الأمنية الجنوبية، عبر تسخير كافة الأدوات السياسية والإعلامية والمنظمات والخطب والفتاوي، وصولاً إلى تنفيذ عمليات الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية الغادرة، إضافة إلى سعيهم لتقويض أمن الجنوب، وتهديد السلم في المنطقة العربية والعالم عبر توجيه تلك الجماعات لاستهداف مصالح دول الإقليم والدول الكبرى وتهديد الملاحة البحرية الدولية في خليج عدن.

وتتجلى أهمية شبوه بالنسبة لحزب الإصلاح والحوثي في كونها ممراً لتهريب الأسلحة والنفط إلى الحوثي من جهة، وثاني أهم محافظة لإنتاج النفط والأولى في إنتاج الغاز تُدر لعددٍ من قيادات الحزب أمولاً هائلة من أجور حماية الشركات، ومن تقاسم آبار النفط بين القيادات العسكرية والسياسية والوجاهات القبلية.

كما إن السيطرة على شبوه والنفاذ إلى الخط الدولي لطريق العبر الرابط بين مأرب ووادي حضرموت، يقطع خطوط الإمداد بين قوات الجنرال علي محسن الأحمر- الزعيم الإخواني المتهم بدعم الإرهاب في اليمن- في محافظة المهرة ووادي حضرموت.

وهو ما يعني إجبار تلك القوات على الاستسلام أو الهروب، أو ملاقاة حتفهم دون أن يستطيع الأحمر إمدادهم بقوات وعتاد ومؤن من قاعدته العسكرية في محافظة مأرب، التي تؤوي أكثر من مائتي ألف مقاتل، بالإضافة إلى معدات ومخزون هائل من الأسلحة الثقيلة، فلم يسبق لها المشاركة بالحرب، بل ظل طوال خمس سنوات مضت يكدس الأسلحة إليها دون تصريفها.

إذ يُجهز كل تلك القوة لمعركته الفاصلة التي سبق له ولأركان حزبه التصريح عنها في أكثر من لقاء، مؤكدين بأن معركتهم الفاصلة ستكون باجتياح الجنوب، وليس بتحرير صنعاء ومدن الشمال من سيطرة الحوثي.

وبهذا فإن على كل أبناء الجنوب أن يمدوا شبوه بأكبر قدرٍ ممكن من الرجال والعتاد، كما يقع على عاتق الأخوة الأشقاء في التحالف العربي والدول الكبرى مسؤولية الدعم بالسلاح الثقيل والدعم اللوجيستي، فالجنوب اليوم يخوض معركة باسم كافة قوى العالم الحر الراغبة بإحلال السلام، واجتثاث بؤر الإرهاب التي تهدد الأمن والسلم الدوليين في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

فإن كانت القوى الإرهابية المتدثرة برداء الدولة ومؤسساتها، تُعد لمعركة فاصلة في شبوه ترسخ من خلالها الإرهاب بشكلٍ رسمي في منظومة أجهزة ومؤسسات الدولة بدون منازع، فاجعلوا تلك المعركة معركة الحسم في اجتثاث تلك النبتة الخبيثة من الجنوب، وإعادتها إلى موطنها، ومن ثم محاصرتها هناك والإجهاز عليها بشكلٍ نهائي.