أسد على الجنوب وعند الحوثي نعامة !!

فيما الجنوب لم يبرأ بعد من جراح وتبعات حربي 1994م، 2015م وما رافقهما من اجتياح شمالي بربري لأرض الجنوب، وفي حين كان الشعب الثائر يلملم شتاته ويجمع صفوفه، لمواجهة صلد وعنجهية القوى الإقطاعية الغازية لأرضه، إذ بها تعيد الكرة وتطلق حملتها الدموية الثالثة لاجتياح الجنوب، ووضعه تحت الاحتلال العسكري الزيدي الصلف المتعجرف، الذي لا يرى في الجنوب سوى أرض وثروة خالية من السكان، قادمة من أقصى شمال الشمال متشبعة بثقافة النهب والسلب والقتل وسفك الدماء، جالبة بين صفوفها مئات العناصر المتطرفة الإرهابية المنتمية للقاعدة وداعش ومثيلاتهما الإرهابية.
تلك القوة التي استسلمت عام 2014م في صنعاء لانقلاب عسكري نفذه الحوثي، ورفع الجنرال الدموي علي محسن الأحمر وجيوشه الراية البيضاء وسلم صنعاء للحوثي، ثم فر هارباً باسم زوجة السفير السعودي، تاركاً معسكراته للحوثي، بما فيها من أفراد وعتاد وسلاح ثقيل ومتوسط، ثم أعقب فراره ذهاب أركان حزبه الإخواني إلى صعده للاتفاق مع قائد ميليشيا الحوثي الطائفية –عبدالملك الحوثي- على إقامة شراكة واقتسام السلطة والثروة بين الطرفين.
إلا أن حزب الإصلاح الإخواني ذو النهج الميكافيلي المتقلب، ما لبث أن غير رداءه، فما إن جاءت عاصفة الحزم، حتى ركبوا موجها، واستولوا على شرعية الرئيس هادي، وكانوا ملكيين أكثر من الملك، وأصبحت الشرعية رهينة سيطرة واحتكار حزب الإصلاح، وبات مصطلح الحكومة الشرعية ملاصقاً لمصطلح حزب الإصلاح- الإخواني- ورديفاً أو مرادفاً له، فلا يشار إلى أحدهما إلا أشير للآخر معه.
استغل حزب الإصلاح انشغال القوى الجنوبية بمحاربة الحوثي والجماعات الإرهابية، فعمد إلى التقرب من الرئيس هادي وقيادة التحالف، خاصة المملكة العربية السعودية التي يقيم أغلب قياداته على أرضها، وقام ببناء جيش عرمرم بقوامٍ يفوق 200 ألف مقاتل، تم تسليحه بأحدث المعدات والتقنيات ونال الحظية بالامتيازات المالية والوظيفية والتموين.
ورغم تلك القوة والعتاد والامتيازات والسلطة التي ظفر بها حزب الإصلاح، إلا أن الجبهات التي أنيط بالحزب قيادتها لم تشهد أي تقدماً يذكر بعد أربعة أعوام من عمر الحرب ضد الحوثي منذ عام 2015م، بل هزمت أو قامت القوات التابعة لحزب الإصلاح بتسليم العديد من المواقع التي كانت تسيطر عليها، في تعز والضالع ومأرب وحجة لميليشيات الحوثي.
كما خذلت تلك القوات قبائل مديرية حجور وامتنعت عن نصرتهم، ورفض نائب الرئيس (الجنرال الأحمر) الموافقة على طلب قوات العمالقة الجنوبية التي وجهت رسالة إلى رئيس الجمهورية تطلب منه السماح لها بتعزيز ومناصرة أبناء حجور في وجه العدوان الحوثي الغاشم الذي كان يستهدفها -حجور- آنذاك, إذ تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بأن المذكرة التي وجهتها قيادة ألوية العمالقة ووجهت برفضٍ قاطع من قبل الأحمر، الذي يحظى بمنصب نائب رئيس الجمهورية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وعلى النقيض من ذلك كان الجنوب حاضراً في مختلف مواقع النزال، وتمكن أبناء الجنوب من تحرير أرضهم، وتطهيرها من الإرهاب، ثم تحرير مساحات شاسعة من الأراضي الشمالية، في الوقت الذي ظل جيش الأحمر ذو التعبئة والعقيدة المؤدلجة الإخوانية، خامداً لا يتحرك أبعد من تباب صرواح ونهم في محافظة مأرب.
إذ بقي الأحمر ممتنعاً عن توجيه سلاحه نحو الحوثي سوى فيما ندر، فيما يحشد جيوشه ويهيئهم لإعادة اجتياح الجنوب، منتظراً اللحظة المناسبة لذلك.
فمنذ تحرير عدن ومحافظات الجنوب عام 2015م، وتعيين قيادات جنوبية في مختلف مفاصل السلطات المحلية بل وحتى المركزية، وحزب الإصلاح يحيك المؤامرات ويزرع الدسائس ويروج الإشاعات، حتى تمكن من الإيقاع بين الرئيس هادي وكل القيادات الجنوبية التي يمكن الاعتماد عليها، من خلال مسلسل الإقصاء الذي طال عشرات القيادات الجنوبية السياسية، ومسلسل الاغتيالات والتصفيات الجسدية التي طالت عشرات الجنرالات العسكرية الجنوبية التي كانت تتصدر جبهات الحرب وتقود الانتصارات المتتالية ضد الحوثي، حتى تخلص من أبرز القيادات العسكرية الجنوبية المحيطة بالرئيس هادي، الذين كان يستند عليهم الرئيس ويشكلون حائط صد يحتمي به من أي استهداف قد يطاله من قبل نائبه ورفاقه.
تمكن الجنرال الأحمر من إفراغ الجيش من أبرز القيادات العسكرية الجنوبية التي كانت تسند الرئيس هادي وتقوي موقفه ميدانياً ولوجستياً بل وتحميه من أي استهداف يطاله من داخل الشرعية ذاتها، وبهذا تم عزل الرئيس هادي وإضعافه ووضعه قيد الابتزاز من قبل الأحمر وقيادات حزب الإصلاح، حتى تم إفراغ الشرعية من محتواها وأصبحت مجرد واجهة لتمثيل مواقف وتوجهات الحزب، والذي رهن قراراتها لأجندات التنظيم الإخواني، وصراعاته الإقليمية والدولية، المستمدة من أجندات قطر وتركيا.
بات الحزب يستمد قراراته وخططه من قطر وتركيا، ويعكسها على نهج وخطط وسياسات الحكومة، فمضى يشق جبهة الشرعية والتحالف، ويتخذ من كل من يؤازرهما عدواً للشريعة، ففتح جبهة للشرعية ضد قوى المقاومة والحراك الجنوبي، وجبهة أخرى ضد المقاومة السلفية في تعز، وثالثة ضد دول التحالف العربي، ورابعة ضد قبائل مأرب، فيما استغل علاقات قطر بإيران فمر عبرهما للوصول إلى إقامة اتفاقيات مع الحوثي، تجلت معالمها في خيانة قبائل حجور وتسليمهم للحوثي، ثم في معركة الانتهاكات الصارخة التي مارستها قوات الحزب في تعز، وأخيراً في تسليم معسكرات الحزب وعتاده في الضالع لميليشيات الحوثي الانقلابية.
وبذلك تآكلت الشرعية وانحسرت وتزايد الصخب الشعبي عليها في مختلف المحافظات، مقابل تزايد شعبية المجلس الانتقالي الجنوب في أوساط شعب الجنوب، وامتداد سيطرته لتشمل أغلب الأراضي الجنوبية، وفي الشمال تزايد انهزام معنويات الشعب الشمالي وتخاذلهم عن نصرة الشرعية لمواجهة الانقلاب الحوثي، إذ يرى غالبية الشعب في الشمال بأن شرور حزب الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين، يوازيان شر ميليشيات الحوثي، خاصة بعد مذبحة تعز التي نفذها الحزب مؤخراً ضد رجال المقاومة الذين تحررت على أياديهم أغلب مناطق تعز، وكذلك مذبحة قبائل الأشراف في مأرب مؤخراً.
ولأن شرعية حكومة الرئيس هادي آخذة في التآكل والانحسار، وأصبحت مهددة بالزوال على إثر توجه الأمم المتحدة لترسيخ سلطة الحوثي كأمر واقع في الشمال، فلم يكن أمام الشرعية الإخوانية من بدٍ سوى أن تغتنم كرم المملكة العربية السعودية لتستهدف شعب الجنوب، وتستهدف قضيته حتى تظهر وجودها.
تخلى حزب الأحمر الإخواني – المختطف للشرعية- عن تحرير الشمال من سطوة الحوثي، وجيش جيوشه لتنفيذ غزو ثالث لأرض الجنوب، شاحذاً سيف “الوحدة أو الموت” لشعب الجنوب، رغم تخاذله وعدم اهتمامه بمواجهة الحوثي أو تحرير المحافظات الواقعة تحت سيطرته في الشمال.
ترك أرضه ومضى يرفع سيفه ويبرز عضلاته قاصداً احتلال أراضي شعبٌ آخر –شعب الجنوب- كاشفاً عن توافقه مع الحوثي، وحقده على الجنوبيين، الذين ساهموا في تحرير أراضٍ شاسعة من الشمال من سطوة الحوثي وسلموها للأحمر ورفاقه من أبناء الشمال، غير طامعين فيها، ولا قاصدين البقاء فيها.
لم يتوقف الأمر عند الأحمر وجنرالاته وحسب، بل تصاعدت حدة النخب السياسية والإعلامية والشعبية الشمالية، كلها تنادي بصوت واحد، “الوحدة أو الموت لشعب الجنوب”، متنكرين لكل حقوق شعب الجنوب، وتضحياته لتحريرهم من كهنوت الحوثي وميليشياته التي فرضت عليهم.
تلك النعامات الخامدة التي تكسرت أجنحتها وخارت قواها، وعجزت عن التصدي والمجابهة لعنجهية وكهنوت الحوثي ومشروعه الإيراني الصفوي الرافضي، ها هي اليوم حين تعلق الأمر بشعب الجنوب قد تحولت إلى وحوش كاسرة ذات مخالب وأنياب.
تجمعت قطعان الشمال ويممت وجهها نحو الشرق لإعادة احتلال الجنوب، غير عابئون بتحرير غرف نومهم وأسرهم الذين يسوطهم الحوثي، ويجرعهم أشد المآسي.
ويزداد الأمر غرابة فيما أظهرته المستجدات الأخيرة وتكشفت أسراره، من مواقفٍ متخاذلة لبعض دول التحالف، إن لم يمكن وصفها بالمتآمرة، لا سيما الشقيقة الكبرى، التي أتاحت للجيش الإخواني بقيادة الجنرال الأحمر أن يولي ظهره قبل صنعاء، ويتجه لغزو الجنوب، رغم تخاذله وتآمره على التحالف، وتعطيله لجهودهم، وإفشاله لهم، طوال 5 سنوات حرب.
هل نسي التحالف العربي تضحيات وأدوار شعب الجنوب إلى جانبه؟ هل غفلت دول التحالف من هو الطرف الأكثر فاعلية ونصرة لجهودهم ؟ أم هل نسيو من حقق لهم كافة الانتصارات الراهنة في مختلف ميادين النزال ضد الحوثي؟
أما شعبنا في الجنوب فقد جبل على الثورة والمقاومة، ولن ينخ أو يتماهى مع سياسات الإذلال والتنكيل، والاستبداد، والقيود المفروضة قسراً، بل سيقاوم حتى يستعيد كافة حقوقه، ويقيم دولته الجنوبية المستقلة.
وسيحفظ شعبنا لكل طرفٍ أدواره ومواقفه ولن ينساها، وستدور الدائرة على الجميع، فإن مكنتم قوى الشمال التي خذلتكم وخذلتنا من قطف ثمار تضحيات وانتصارات شعب الجنوب، فإن تلك القوى ستمكن قطر وتركيا وإيران من قطف ثمار تضحياتكم وانتصاراتكم، إذ أن حزب الإصلاح الإخواني، لا يجد ذاته إلا شريكاً وحليفاً لدول المحور القطري التركي.
لكم الخيار، ضعوا شعب الجنوب الذي استأمنكم حيث تحبون أن تضعون أنفسكم، اليوم عندنا وغداً عندكم.
وليس بوسعنا سوى أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.