أحداث الجنوب تكشف أقنعة تجار الحروب !!

لقد وصلت الحرب إلى مرحلة أزيحت فيها الكثير من الأقنعة عن الوجوه، وأصبح من الصعوبة لأي طرفٍ أن يتقمص أدواراً عدة في آنٍ واحد، فقد بات الجميع مدركون تماماً أدوار وأهداف وتضحيات وانتصارات ومكاسب كل طرفٍ من القوى المشاركة في جبهة التصدي للتهديد الحوثي الإيراني، سواءً على مستوى جبهات الحرب أم على مستوى إدارة المحافظات المحررة.

فمنذ تحرير العاصمة عدن كان شعب الجنوب متفهماً لأولويات المرحلة، وحرص على أن يكون رافداً وشريكاً فاعلاً في إطار المشروع العربي، للتصدي للتمدد الحوثي الإيراني، وعنصر محوري في مكافحة الإرهاب، وتعزيز أمن واستقرار المحافظات المحررة والمنطقة بشكل عام.

إذ شارك العديد من قيادات الحراك الجنوبي في إدارة المحافظات المحررة، لكن قوى صنعاء بزعامة حزب الإصلاح سخرت سيطرتها على السلطة المركزية، لإفشالهم بكل السبل والوسائل، ومع ذلك نجحوا باستعادة الأمن وتطبيع الأوضاع، وتفعيل المؤسسات العامة، نتيجة قبولهم شعبياً، وتعاون المجتمع معهم ودعم التحالف العربي، وخاصة الإمارات، إلّا أن القوى المتدثرة برداء الشرعية، حرصت على استهدافهم إعلامياً ومن ثم إقصائهم أو تصفيتهم.

دفع الجنوب بكامل قوته إلى الجبهات، لتحرير الشمال من سطوة الحوثي وإيران، فيما دفعت قوى الشمال بكامل قوتها وأدواتها، لتوطيد نفوذها وسيطرتها بالجنوب، وإغراقه بالفوضى والأزمات، وتعطيل جهود بناء المؤسسات العامة، لا سيما المؤسستين الأمنية والعسكرية بالجنوب، في الوقت الذي بنوا جيشاً جراراً في مأرب وتعز، ولاءه للحزب والقبيلة والمشروع الزيدي.

فمن أجل استمرار النفوذ الزيدي، امتنع الإصلاح عن مواجهة الحوثيين عند اجتياحهم صنعاء، أو إيقاف تمددهم على المحافظات رغم قدرته على ذلك، وتخاذل أيضاً عن خوض حرب حقيقية لتحرير صنعاء والشمال، أو نصرة قبائل حجور، بل عمل لتثبيط وكبح جهود التحالف وعمالقة الجنوب عن تحرير "الحديدة"، بتوقيعه لاتفاقية "ستوكهولم" التي شرَّعت سيطرة الحوثي، وحالت دون قطع شريان الحياة الذي يمد سلطته بمليارات الدولارات، لتغطية المجهود الحربي.
مارس حزب الإصلاح باسم الشرعية الوصاية والإقصاء لكل جنوبي يخالف أهوائهم، ومن لم يستطيعوا الوقيعة بينه وبين الرئيس هادي، قاموا باغتياله أو تدبير حادثة لضربه واعطوا إحداثيات موقعه للحوثي، حتى عزلوا الرئيس هادي عن قوى الجنوب ونخبه الفاعلة، وأحاطوه بالأحمر والمقدشي والبركاني ومعين وزمام ومعياد والهتار، وقائمة طويلة من المتسلطين، وقلة جنوبية بين تابعٍ وضعيف، وعلى ببوابته حارسهم الوفي (العليمي) جنوبي الانتماء شمالي الهوى.

بقي المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام والنخب الأمنية الجنوبية، حجرة كؤود في طريق إعادة سيطرتهم ونفوذهم على الجنوب، ولهذا سخروا ضدها القرار السياسي وحملات الشيطنة الإعلامية، وتقارير كيدية استخدموا نفوذ قطر وتركيا لتمريرها عبر بعض المنظمات الدولية، تمهيداً لتوجيه الضربة القاضية، الهادفة إلى تصفية رموز الانتقالي والقيادات العسكرية، وتدمير الكيان السياسي والقوة العسكرية الجنوبية، لتظل قوى النفوذ متسيدة بالشمال والجنوب.

وجدوا بأن الإمارات ستقف حائلاً بينهم وبين مآربهم من الجنوب، فعمدوا لشيطنتها، وتهديدها بإنهاء دورها في اليمن التحالف، وألبوا عليها الرأي العام الدولي، بل واستهدفوا مصالحها بالتعاون مع الحوثي وقطر وإيران وتركيا في جيبوتي والصومال وليبيا، وصولاً إلى استهداف سفن نفطية راسية بالقرب من ميناء الفجيرة، عوضاً عن محاولة دق اسفين العداء بين دعامتي المشروع العربي - السعودية والإمارات - المتصدي لمشاريع التمدد الإيراني والتركي. وكذلك فعلوا مع السعودية، بل وصلوا لما هو أبعد من ذلك، وما حادثة مقتل "خاشقجي" وما تبعها من تأجيج وحملات شيطنة للمملكة، لا سيما لولي العهد محمد بن سلمان حفظه الله، إلا دليل قاطع على توافق أجندات قوى الشر في اليمن مع حلفائهم في الإقليم.

لقد تمثلت أولى خطوات فشل الشرعية، بتسليم السلطة لمن سلم صنعاء والشمال للحوثي، ولم يتجرع مرارة الحرب، ومعاناة الحر والشمس والجوع في جبهات النزال. أو يعايش وضع الحرب ودبابات الحوثي تقصف الأحياء، وأبناء الجنوب يتسابقون للشهادة أو النصر، ثم وبعد كل تضحيات شعب الجنوب، تم تسليم قراره وإدارته لأيادي عابثة، جاءت نتاجاً لتدوير نفايات خطرة مليئة بالميكروبات والجراثيم الفتاكة والقاتل. فما كان منها إلا أن جعلت التخلص من قيادات الميدان وأبطال الحرب على رأس اهتماماتها، فمارست أساليب وطرق شتى للتخلص منهم.
ولكنها لم تعي بأنه لم يعد في الجنوب من أحد يمكن أن يكون لقمة صائغة لمن عهدنا تجربتهم مراراً وتكراراً، وفي كل مرة يثبتون لنا بأنهم أشد عداءً لكل ما يمت للجنوب بصلة. واليوم بعد أن مضى ركبنا إلى الأمام فليس باستطاعة أحد إيقافه ما لم ينل حقوقه كاملة غير منقوصة.

وفي ظل سعي الأمم المتحدة ودول الغرب لتمكين الحوثي بالشمال كسلطة أمر واقع، ومع ما نراه من تقارب بين حزب الإصلاح والحوثي، وإفرازات الأحداث الأخيرة على الساحة الجنوبية، يتساءل الشارع: كيف للمملكة أن تكرس لتمكين حزب الإصلاح الإخواني من الجنوب، والذي بدوره ستقدمه هدية لقطر وتركيا وإيران، لتجد نفسها غداً محاطة بثلاثي يكن لها العداء يطبق عليها ويحاصرها من كل الاتجاهات سعياً لتدميرها ؟

أعتقد جازماً بأن السعودية لن تكرر مآلات تجربتها في العراق، ولهذا أرى بأنها والإمارات يتبادلان الأدوار، لتخفيض كلفة الخلاص، إذ تمضي مع حزب الإصلاح الإخواني إلى نقطة معلومة تتحدد بموجبها المواقف، وتظهر الخفايا إلى العلن، وتتصادم الأهداف والمصالح، فيصطف الإصلاح مع الحوثي وينتهي شهر العسل بين الحزب الإخواني والرياض.