الميزان.. منافسة صينية – أوروبية لقطع الطريق أمام عملة فيسبوك (تقرير)

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 22:38:33
"الميزان".. منافسة "صينية – أوروبية" لقطع الطريق أمام عملة فيسبوك (تقرير)

تشهد أسواق العملات العالمية حالة من الترقب والجدل والمنافسة في ضوء التطورات التي برزت أخيرا على الساحة الاقتصادية والسياسية، فقد أيد مسؤولون في الحكومة الفرنسية والألمانية، خطط البنك المركزي الأوروبي لتطوير عملة رقمية منافسة لـ"ليبرا"، التي يخطط لإطلاقها موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك".
وتهدف العملة، التي يخطط الأوروبيون لطرحها في الأسواق، في الأساس إلى قطع الطريق على عملة الفيسبوك المرتقبة، التي يعتقد الخبراء في المركزي الأوروبي، أنها يمكن أن تشكل خطرا على القطاع المالي الأوروبي، ما لم يتم التصدي لها أو تحييدها مبكرا، حتى إن وصل الأمر إلى منع تداولها داخل بلدان الاتحاد الأوروبي.
وفي الواقع، فإن "ليبرا" فيسبوك أثارت جدلا بين المصرفيين وخبراء العملات الرقمية، ففي شهر حزيران (يونيو) الماضي كشفت شركة فيسبوك عن رغبتها في طرح عملة افتراضية ذات طبيعة عالمية، ما أثار حفيظة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي عدها عملة منافسة بشكل مباشر للدولار.
وفي الحقيقة، فإن اسم العملة الافتراضية المقترحة من "فيسبوك" واختيار مسمى "الميزان" لها، لم يأت من فراغ أو اعتباطيا، لكنه بمنزلة رسالة للجميع بأن "ميزان" العملات الافتراضية والمعيار، الذي يحدد وضع كل عملة سيكون العملة الافتراضية الجديدة لـ"فيسبوك"، وهو ما أثار حفيظة كثير، سواء في القارة الأوروبية أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية.
وأحدث إظهار "فيسبوك" اهتمامه بعالم العملات الافتراضية، اهتماما جديدا بالعملات الافتراضية ذاتها، فزاد الطلب، وارتفع الاتجاه العام للأسعار، وأظهر المضاربون ورجال الأعمال ورؤساء مجالس صناديق التحوط، اهتماما ملحوظا بالعملات الافتراضية، بعد أن أظهرت شركة فيسبوك اهتماما بهذا العالم.
وتواكبت تلك التطورات مع تطور آخر يتعلق بإعلان الصين بأن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) سيطلق قريبا عملة افتراضية قادرة على تدعيم السياسات الائتمانية والنقدية، وتعزز قوة اليوان وتداوله، لكن تصريحات المسؤولين الصينين كشفت أيضا عن قلق من عملة الفيسبوك الافتراضية، إذ طالبوا بوضع العملات الافتراضية أو الرقمية تحت إشراف البنوك المركزية، بدعوى منع المخاطر المحتملة على الصرف الأجنبي، وحماية سلطة السياسة النقدية، وأوضح الصينيون مبكرا موقفهم من "ليبرا فيسبوك" قائلين إنهم سيتعاملون معها باعتبارها عملة أجنبية ستوضع في إطار إدارة النقد الأجنبي في الصين.
لكن ما يمكن وصفه بالمنافسة ثلاثية الأبعاد بين الاتحاد الأوروبي والصين و"فيسبوك"، يطرح عديدا من التساؤلات، التي لا تتعلق فقط بعالم العملات الافتراضية، لكنها ترتبط بشكل ملحوظ بصراع اقتصادي عالمي يتحول من الحرب التجارية إلى حرب العملات ثم إلى حرب العملات الافتراضية.
إلا أن واقعية المنافسة الأوروبية– الأمريكية– الصينية في عالم العملات الافتراضية، مثار جدل بين كبار الاقتصاديين. فبينما يعتقد بعضهم أنها لا تتجاوز حدود المنافسة الطبيعية في مجال اقتصادي، باتت التوقعات المستقبلية بشأنها إيجابية بشكل ملحوظ، فإن آخرين يعتقدون أن الأمر أوسع نطاقا وأكثر تعقيدا من ذلك، وأنه جزء من منافسة كونية تسعى فيها تلك القوى لرسم خطوط السيطرة الاقتصادية المستقبلية في قطاع واعد للغاية.
البروفيسور دوجلاس هربرت، رئيس سابق للجنة المالية العامة في الحكومة البريطانية، يعتقد أن هناك سباقا قويا محموما ومكتوما حتى الآن بشأن العملات الافتراضية.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، "بعيدا عن موقف الرئيس ترمب السلبي من العملة الافتراضية، التي يخطط "فيسبوك" لإطلاقها، واعتقاده بأنها ستؤثر في مكانة الدولار الدولية، وهذا الموقف في الحقيقة يعكس صراعا أيضا بين رجل أعمال تقليدي مثل ترمب، والأجيال الشابة التي تتحكم في مفاتيح التكنولوجيا، فترمب تنحصر مفاهيمه في التعامل مع الدولار وعلاقته بالاقتصاد الأمريكي.. "فيسبوك" وعملتها لا تطيح بالدولار لمصلحة عملة غير أمريكية، وإنما لمصلحة عملة أمريكية أخرى هي ليبرا، وهذا تحديدا ما يفهمه الجانب الصيني والأوروبي، ولهذا يسعون سريعا لإنتاج عملة افتراضية قادرة على منافسة العملة الافتراضية الأمريكية الجديدة".
ويعتقد هربرت أن الجانب الأمريكي أكثر ذكاء من الأوروبيين والصينيين فيما يتعلق بالعملة الافتراضية، ويستدرك قائلا: "العملتان الرقميتان الصينية والأوروبية، ستعانيان الطبيعة البيروقراطية في عملية إنتاجهما، إذ إنهما في الواقع امتداد لليوان الصيني واليورو الأوروبي، أما "ليبرا فيسبوك" فذات شأن مختلف، فهي مدعومة بقوة الاقتصاد الأمريكي، لكنها متحررة من جميع القيود الناجمة عن الانتماء لمؤسسة رسمية، ولذلك ستكون أكثر مرونة في الحركة، وربما في المراحل الأولى ستتعرض لهزات وتتلقى صفعات من قبل نظيرتها الافتراضية الصينية والأوروبية، لكنها في الأمد الطويل سيكون لها قصب السبق".
لكن وجهة النظر تلك غير مستساغة من قبل آرثر ديفو، الخبير المصرفي، إذ يعتقد أن هناك مبالغة شديدة في اعتبار أن العملة الرقمية المزمع إطلاقها من قبل "فيسبوك" تعبر عن عملة رقمية أمريكية.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "طبيعة العملات الافتراضية ذاتها، وغياب قوة مركزية تقف خلفها، ينفي عنها قدرتها على تمثيل اقتصاد ما، والأمر لا يتعدى كون "فيسبوك" مؤسسة مقرها الولايات المتحدة، ويمكنها أن تغير مقرها غدا إلى إيرلندا الشمالية، فهل يعني ذلك أن "ليبرا فيسبوك" ستعبر عن إيرلندا الشمالية؟.. بالطبع لا"، ويشير ديفو إلى أن "الجانبين الأوروبي والصيني يدركان إمكانية تحقيق أرباح ضخمة من سوق العملات الرقمية، ولذلك الجميع ينافس الجميع دون أن تكون المنافسة تعبيرا سياسيا أو اقتصاديا عن طموح دولة ما لتسيد سوق العملات الرقمية، وإنما هي المنافسة من أجل تحقيق أعلى عائد مالي ممكن".
بعيدا عن وجهات النظر المتباينة بشأن طبيعة المنافسة المقبلة بين العملات الافتراضية، سواء الصادرة من "فيسبوك" أو الصين أو المجموعة الأوروبية، فإن ما يمكن الجزم به هو أن الحكومات والهيئات التنظيمية والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، تسارع بطرح خطط ونهج جديد تجاه الأصول الرقمية، ولا شك أن هذا سينجم عنه نوع ما من الصعوبات التمويلية في البداية، لكنه اتجاه لم يعد من الممكن إيقافه، بحيث لم يعد السؤال الآن: كيف يمكن إيقاف عالم العملات الافتراضية، أو حتى التصدي له، فعمليات التداول في البلدان، التي تمنع العملات الافتراضية تتم تحت الأرض، وعبر شبكات خاصة افتراضية لشراء تلك العملات من البورصات الأجنبية، إنما السؤال المطروح حاليا يتلخص في معرفة الكيفية، التي سيتم بها إدماج تلك العملات أو دفعها للتكامل مع العملات الدولية الأخرى، لتضمن الحكومات أن تظل السيادة النقدية في يدها، لكنها قصة أخرى أكثر تعقيدا وإثارة للشكوك.