بين تهريبه لسوريا وشحه.. تداعيات أزمة الدولار تتفاقم في لبنان (تقرير)
تعاني لبنان وأسواقها من أزمة شحّ في الدولار لم تعد تسمح للسلطات بتجاهلها عبر التظاهر بأنها مُبالغ فيها، إذ عمدت إدارات بعض المصارف اللبنانية إلى التعميم على فروعها بعدم إيداع الدولارات في أجهزة الصراف الآلي كافة، بل الاكتفاء حصراً بإيداع السيولة فيها بالعملة اللبنانية، مجبِرة العملاء على السحب بالليرة حتّى في حال كان حسابهم المصرفي بالدولار، علماً أن عمليات السحب النقدي الفردية للعملاء من داخل البنك، ما زالت ممكنة بالدولار لكن بمبالغ محدودة جدّاً.
وتزامن هذا التعميم مع معلومات كثيرة تقاطعت في الساعات الماضية عند التأكيد أن انقطاع العملة الخضراء في السوق اللبناني، يعود إلى محاولات لتهريبه من لبنان إلى سوريا عبر شبكة منظّمة مؤلفة من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وجنسيات أخرى، مقرّبين من النظام السوري، تقوم بعمليات سحب كثيرة من الصرّاف الآلي في سبيل تحويلها إلى سوريا لمدّها بالعملة الصعبة التي تُعاني من ندرتها جرّاء العقوبات الأميركية المفروضة عليها، إمّا نقداً أو عبر شراء محروقات ومواد أوّلية وبضائع عن طريق التهريب عبر معابر غير شرعية.
وبدأت تداعيات أزمة شح الدولار في السوق اللبنانية وارتفاع مستوى سعر صرفه إلى أعلى مستوياته منذ سنوات (أكثر من 1600 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد)، تنعكس على مختلف القطاعات التي تعلن تباعاً الإضراب، إذ بدأت مع محطات المحروقات ووصلت إلى أصحاب المولدات ومن ثم محلات تعبئة الحلوى، فيما دقت قطاعات أخرى ناقوس الخطر أبرزها المطاحن وصناعة الأدوية وغيرها، ودعا المجتمع المدني غداً الأحد إلى مظاهرة؛ احتجاجاً على الوضع القائم.
وفيما تتجه الأنظار إلى الحلول التي يفترض أن يحملها الأسبوع المقبل بعد إعلان حاكم مصرف لبنان عن توجهه لإصدار تعميم ينظم فيه تمويل استيراد القمح والدواء والبنزين بالدولار الأمريكي، يعيش المواطنون اللبنانيون على وقع الشائعات المستمرة والخوف من تفاقم الأزمة وصولاً إلى الانفجار، خاصة في ضوء تحويل سوق صرف الدولار الى سوق سوداء تتحكم فيه محلات الصيرفة في غياب أي رقابة تضع حداً لهذا الأمر، إضافة إلى وضع المصارف قيوداً على سحب الدولار.
ورغم كل ذلك يصر المسؤولون على القول إنه لا أزمة دولار وإن ما يحدث هو نتيجة زيادة الطلب عليه، مع ما يرافقه من اتهامات بالمسؤولية فيما بينهم، بينما يبقى السؤال الأهم هو أسباب هذه الأزمة التي بدأت تتفاقم مع تردي الوضع الاقتصادي وغياب الخطة الاقتصادية السليمة منذ سنوات.
وفي حين يحمّل البعض المسؤولية للمصارف ويشن حملة ضد العهد لإفشاله، يربط الآخر الأمر بالصراع الأمريكي – الإيراني، متحدثاً كذلك عن تهريب الدولار إلى سوريا من حلفائها في لبنان على اختلاف انتماءاتها، وعلى رأسها حزب الله، وذلك لدعمه في مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة عليه.
وكان الرئيس اللبناني ميشيل عون حمّل، الخميس الماضي، خلال عودته من نيويورك بعد مشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة، المسؤولية إلى حاكم مصرف لبنان ووزير المال بقوله رداً على سؤال حول الوضع الماضي: "أنا كنت في نيويورك، اسألوا المعنيين، هناك مسؤول عن النقد وهو حاكم مصرف لبنان، وهناك مسؤول عن المال، هو وزير المال، أنا لست على علم بما حصل خلال غيابي عن بيروت".
واتهم وزير الخارجية جبران باسيل أطرافاً داخلية بالمؤامرة، وقال: "صحيح أن هناك مسؤولية على الدولة، لكننا نتعرض لضغط خارجي سواء في اقتصادنا أو عملتنا اللبنانية، لا سيما أن هناك شركاء في الداخل يتآمرون على البلد واقتصاده"، وقد لاقى كلام باسيل وعون انتقاداً سياسياً وشعبياً.
وتؤكد جهات لبنانية ومصادر مصرفية تنفيذ عمليات تهريب منظمة للدولار تتم من لبنان إلى سوريا عبر مافيات وأشخاص موالين للنظام السوري؛ كحزب الله وأحزاب أخرى مسيحية.
وتحدثت مصادر مصرفية ونواب في "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"حزب القوات اللبنانية" عن عمليات تهريب الدولار والمحروقات عبر الحدود إلى سوريا، التي سبق لمسؤولين لبنانيين أن أقروا بأن المعابر غير الشرعية المنتشرة في المنطقة تقدر بـ136 معبراً.
وقال النائب بلال عبدالله: "بما أننا في أزمة دولرة المحروقات، وتضييق الشركات على المحطات والمواطنين، هل من يفيدنا عن عشرات وربما مئات الصهاريج التي تهرب إلى الخارج عبر معابر وطرق معروفة ومعلومة، وتأخذ معها العملة الخضراء، إنه إخبار بفعل الأجهزة القضائية والأمنية".
من جهته، قال النائب هادي أبوالحسن: "أزمة الدولار تعكس انخفاض نسبة الثقة بالمالية العامة والاقتصاد اللبناني"، مشيراً إلى أنه "يبدو أن هناك عملية مدبرة لزيادة الضغط المالي والاقتصادي والسياسي"، وأشار إلى وجود شبكة داخلية تحاول سحب الدولار من المصارف والتهريب إلى سوريا، معلقاً: "إنما الغرض الحقيقي من هذا الأمر غير معروف".
ودعا أبوالحسن في حديث إذاعي الدولة إلى التحرك سريعاً لوضع حد لمشكلة المعابر غير الشرعية، وقال: "آن الأوان لاتخاذ القرار السياسي ثم الإجرائي بضبط الحدود والتهريب على كل المعابر الشرعية وغير الشرعية".
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن ما يحدث في لبنان هو وجه من وجود الصراع الأمريكي الإيراني؛ حيث ينعكس على الساحة اللبنانية في القطاع المصرفي.
ووجّه الأنظار إلى رصد عمليات عدة مشبوهة لسحب مبالغ كبيرة من الدولارات من آليات السحب الخارجية في المصارف، بشكل غير طبيعي وغير معتاد، ما يؤكد أن هناك عملية تجارة تتم عبر سحب وصرف الأموال.
ويؤكد عجاقة أن الإجراءات التي تقوم بها المصارف عبر تحديد كمية الدولارات المسموح سحبها نقدياً (الكاش)، هي لمواجهة هذه العمليات، مع إبقائها على حرية التحويلات فيما بينها.
ويلفت عجاقة، وبناء على تقارير مديرة الجمارك اللبنانية، تسجيل دخول إلى لبنان في أول 6 أشهر كميات من المحروقات تكاد تساوي ما صرف خلال عام 2018 بأكلمه، وهو ما يطرح سؤالاً حول مصيرها وكيفية تصريفها.
وهذه المعطيات كلها ترجح، وفق عجاقة، نظرية التهريب إلى سوريا، الذي وإن كان ليس جديداً إنما يبدو واضحاً أنه زاد في الفترة الأخيرة بدرجة كبيرة، مع تأكيده في الوقت نفسه أنه ليس هناك أزمة دولار وهناك احتياطي كافٍ من الدولار والذهب في مصرف لبنان.
وفي الإطار نفسه كانت "وكالة الأنباء المركزية" اللبنانية قد نقلت عن مصادر مصرفية قولها إن المصرف المركزي استشعر منذ مدة وجود مخطط تضطلع به شبكة منظمة مؤلفة من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وجنسيات أخرى، مقربين من النظام السوري، تقدم على عمليات غير سليمة عبر أجهزة الصراف الآلي (ATM) الموزعة في الشوارع؛ بحيث تسحب الدولارات منها بكثرة، في سبيل تحويلها إلى سوريا نقداً أو عبر شراء مواد أولية وبضائع، يدخل معظمها الأراضي اللبنانية مهرباً عبر المعابر غير الشرعية.
وأشارت المصادر إلى أن مسار هذه الحركة ليس سوريا – لبنان فقط، إنما تحولت في الأشهر الماضية معاكسة، مع النقص الحاد الذي باتت تواجهه دمشق في المحروقات جراء العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وعلى إيران، فبدأ بعض التجار المحليين ينقلون نفطاً لبنانياً إلى سوريا.