الإسلام السياسي في اليمن.. الإخوان والحوثيون
كيف يجمع الحوثيون الآلاف من المؤيدين في ذات الساحة التي يحشد فيها إخوان اليمن أعداداً ضخمة من المؤيدين أيضاً؟! هذه هي اليمن تختلط حركات الإسلام السياسي فيها بعناصر ثلاثة هي الفقر والجهل والمرض، وهي المحفزات الأساسية التي من خلالها توجد حركات الإسلام السياسي، ومنها تستطيع أن تحشد مئات الآلاف من المؤيدين لمواقفها السياسية فاليمن يختصر كل ما يحدث عبر سياسة التحشيّد والتحشيّد المضاد.
تمكنت الحركات الأيدلوجية من التأثير على المشهد السياسي بسبب اختلال الدستور اليمني، الذي يتيح لهذه التنظيمات العمل في إطار الدولة، مع تجاهل للتركيبة الاجتماعية القابلة للانصهار في أتون الأفكار حتى الوصول إلى أبعد نقطة في التطرف، هذا ما حدث تماماً في اليمن، فالتركيبة القبلية وغياب النهضة التعليمية عملت على تغذية التيارات الإسلامية المتضادة في اليمن.
ظل هذا البلد مرتبطاً بالمرجعية الدينية بداية من الحكم الزيدي الذي سيطر على شمال اليمن لعقود طويلة ووصولاً إلى منازعة الإخوان للسلطة السياسية في العقود الخمسة الأخيرة.
بعد أن أوفد حسن البنا الجزائري الورتلاني إلى اليمن تشكلت جماعة الإخوان ومنذ ذلك الوقت دخلت في علاقة وثيقة مع التيار القومي العربي، فهذه الجماعة في اليمن لها خصوصيتها بالمقارنة مع سواها من تجارب الإخوان في العالم العربي.
لذلك لم يكن أمام الشيخ القبلي عبدالله بن حسين الأحمر، وبحسب أقواله في مذكراته، من تردد في أن يتحالف مع حركة الضباط الأحرار برغم أن الأحمر وقبيلة حاشد ذات مرجعية زيدية، لذلك فإن ما حدث في سبتمبر 1962 يصنفه باحثون أنه كان انقلاباً داخل البيت الزيدي، وأن الثورة كانت مجرد مظلة لتمرير ما حدث.
في العام 1990 حدث ما يستحق النظر إليه فبعد إعلان الوحدة بين الجنوب والشمال كان على الأحزاب ممارسة التعددية السياسية غير أن ما وقع كان استمراراً لتحالف القوى التقليدية الشمالية التي أسقطت الشريك الليبرالي (الحزب الاشتراكي)، فكان عام 1994 مفصلاً تاريخياً حاداً أبقى على العلاقة الوثيقة بين القبيلة والدولة.
لم تستطع كل القوى المدنية أن تُشكل لنفسها إطاراً سياسياً، فقد تنبه «الإخوان» مبكراً لذلك وأدخلوا الأحزاب تحت سقف واحد باسم تكتل أحزاب اللقاء المشترك.
الناظر إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) يصاب بالدهشة فهذا الحزب يقوم على ثالوث محدد يبدأ بالإطار القبلي الذي أسسه عبدالله الأحمر بكل ما في القبيلة اليمنية من تقاليد، وثاني المحددات يأتي بعمقها في الارتباط بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وثالثها الكوادر المضطربة بين أن تكون منطوية في حزب سياسي حُر وكذلك منخرطة في مشروع خلافة ديني.
هذا الاضطراب جاء من اليمن الأوسط نتيجة تعقيدات عاشها في ظل حكم الإمامة على اليمن لقرن من الزمن.
حيث نشأت أجيال تنتمي للمذهب الشافعي، وتؤمن بأن الخروج من دائرة القمع المذهبي لا يكون بغير الانصياع للخليفة العثماني، هنا نتحدث عن انكسار نفسي في منطقة تُشكل الأكثر كثافة سكانية في اليمن تشعر بالتهميش وتبحث عن النجاة عبر مشاريع واهمة.
في صعدة شمال اليمن وجد الحوثيون فيما بعد حرب 1994 فرصتهم لإحياء ما يضمرون تجاه ما حدث في 1962، ووجدوا إيران مستعدة لانتحارهم من أجل عودتهم إلى السلطة، هنا تحديداً علينا التوقف عند المشروع الإيراني في اليمن فهو لا يريد نموذج (حزب الله اللبناني) في اليمن بل يريد اليمن كاملاً.
فقد كان هناك مشروع أفشلته السعودية عام 2009 بتشكيل نموذج حزب الله في اليمن لكن الرغبة الإيرانية هي السيطرة على كامل السواحل البحرية من المهرة وحتى ميدي مروراً بميناء عدن وباب المندب أي السيطرة على البحر العربي وخليج عدن وجنوب البحر الأحمر، ما يتيح لإيران تطويق السعودية سياسياً وعسكرياً وابتزازها اقتصادياً، وهذا يفسر غزو الحوثي للمحافظات الجنوبية في 2015م غير أنها كانت مغامرة لم يحسب الإيرانيون عواقبها التي تمثلت في إطلاق السعودية «عاصفة الحزم».
ما بعد الانقلاب في سبتمبر 2014 لم يعد يُنظر إلى اليمن كما كان يُنظر إليه من قبل، ففيما فشل الإخوان في انتزاع السلطة في 2011 نجح الحوثيون في السيطرة على مناطق مختلفة، وفيما يراهن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان على أن يكون اليمن الملاذ الآمن لهم كأفراد.
يستميت الحوثيون للعودة إلى عدن، فالانتهازية شكلت الصفة الجامعة لتيارات الإسلام السياسي في اليمن، وأدى التنافس بين هذه التيارات إلى دخول اليمن في دوامة صراعات عنيفة لن تتوقف إلا باقتلاع هذه الأحزاب المتسترة بالدين من الحياة السياسية، فالتجربة اليمنية تبدو واحدة من أكثر التجارب استعصاءً للحلول نظراً لمدى تحكم تلك الأحزاب في فرض وصايتها على الدولة والشعب.